أنت هنا

أهل السنة..وغدر ذوي القربى!
8 ذو القعدة 1428

ما من مسلم يخشى الله عز وجل،إلا أدمى قلبه النبأ المحزن الآتي من بغداد الأسيرة الجريحة،حيث قامت قوة تتبع الوقف السني،بإغلاق مقر هيئة علماء المسلمين في العراق،ومنعت إذاعتها من البث!!
ليس انحيازا إلى هيئة علماء المسلمين في العراق،ولا هو موقف مسبق ضد إدارة الوقف السني،وإنما نحن نبحث عن الحق والصواب،الأمر الذي يقودنا إلى طرح أسئلة"ساذجة"لا يمكن مواجهتها بالفرار أو التجاهل.فالمفاجأة المذهلة،تبدأ مع ظهور ما يسمى"قوة"للوقف السني،فمتى أنشئت وكيف وهل سمح الاحتلال لها بالولادة في ظل قبضته الحديدية التي تكاد تنحصر في العاصمة العراقية؟وهل تغاضت عن ذلك ميليشيات الرفض التي عاثت في الأرض فسادا؟
فكيف نعقل أن أهل السنة الذين كاد أذناب الصفوية،يطمسون وجودهم في بغداد وما حولها،تنبت لهم مخالب بين عشية وضحاها،ولا تجد هذه المخالب المريبة من مهمة تعلن بها عن حضورها،سوى تسديد طعنة غادرة إلى قلب أهل السنة المثخن بطعنات الغاصبين وعملائهم من الرافضة،وهي مهمة خسيسة لم يجرؤ عليها جنود المارينز على مدى أربع سنوات، ولا عبيد المرجعية في ذروة هياجهم!!
وهل ينقص أهل السنة في العراق المكلوم، مزيد من الجراح والآلام،برغم أنه بات يردد قول أبي الطيب:


فصرت إذا أصابتني سهام  
تكسرت النصال على النصال

إن اللبيب يحار في فهم خطوة سفيهة كهذه، في حين أن المآسي ترص الصفوف عادة،والمحن تذيب الخلافات الداخلية..فهل شعر تجار السياسة من شركاء الاحتلال أن بضاعتهم بارت،وأن المحتل عثر على بدلاء يغنونه عن خدماتهم؟ ربما يفسر ذلكم هذا السلوك الرهيب،لكن للمنصف أن يسأل: وما ذنب الهيئة التي لم تبدل موقعها أو موقفها؟ أم أن عجز عواجيز بريمر عن معاقبة منافسيهم الجدد من زعماء بعض العشائر،قادهم إلى العدوان على الهيئة،التي لم تنافس تجار السياسة، لأن موقفها الجذري الرافض كل تعاون سياسي مع المحتل،ظل على حاله المبدئية منذ نشأة الهيئة حتى اليوم.
بل إن هيئة علماء المسلمين لم تنقل عداءها للمحتل الصليبي،إلى المتعاونين معه،مع أنهم يستحقون ذلك شرعا،بدليل قول الحق تبارك وتعالى ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)) (سورة المائدة/الآية51).
ولننظر إلى حصاد المنسوبين إلى أهل السنة ممن شاركوا في مشروع الاحتلال،فما الذي حققوه عمليا،بذريعة أن عدم المشركة يغيب أهل السنة عن رسم مستقبل البلاد؟
إن "الإنجاز"الأول لهؤلاء المغفلين، يتمثل في القبول الفعلي بأكذوبة أن أهل السنة أقلية في بلاد الرافدين!! و"الإنجاز"الثاني تحول تلك الفئة إلى شهود زور، لسحق المدن السنية المقاومة، بزعم أنها تؤوي "إرهابيين"!! بل إن جميع الخدمات التي أسدوها مجانا للأمريكان ووكلائهم، لم تنفع هؤلاء الضائعين المضيعين، فها هو نوري المالكي يركلهم بقدمه، و"يكافئهم" على تعليق عضويتهم في حكومته الطائفية -باعترافهم أنفسهم- "يكافئهم" بالعمل على تعيين وزراء آخرين يمثلون بعض الزعامات العشائرية، الباحثة عن مكاسب شخصية عابرة، على حساب دينهم وأمتهم..
و"الإنجاز" الثالث لهم،هو الرضوخ لفرية أن أهل السنة يحملون وزر مرحلة الحكم البعثي وبخاصة في حقبة صدام حسين، مع يقينهم بأن ذلك النظام -ولا سيما في فترات قوته وبطشه- ناوأ أهل السنة أكثر من سواهم، وأنه كان في الجملة نظاما علمانيا مغاليا في علمانيته!! بل إن أكثر ضباط القمع في مخابراته كانوا من الرافضة.
إن مسلك هؤلاء أعجب من الرافضة الموالين للاحتلال،لأن دين الرافضة يتخذ من أهل السنة عدوا أول إن لم نقل:عدوا أوحد، فمن مصلحتهم التعاون من الغازي لإضعاف أهل السنة، في حين يعلم المنتسبون إلى أهل السنة الحكم الشرعي في من يعين الكافر المحتل ضد المسلمين. ولقد حصل الرافضة من عمالتهم على مكاسب استراتيجية وتاريخية لفائدة طهران وأدواتها في العراق، في حين جاء تعاون أدعياء السنة على حساب أهلهم وبلدهم ومحيطهم المسلم كله. فمتى يفيق هؤلاء إن كانوا غافلين؟ومتى يتوبون إن كانوا يدركون حقا ما يفعلون أو بالأحرى: إن كانوا يعون ما يطلب منهم أن يفعلوا من أجل مناصب تافهة، ومنافع ذاتية غير مشرفة؟.