أنت هنا

التعلق بـ"طوق" عرفات!
3 ذو القعدة 1428

لم يحظ قائد عسكري أفغاني بمثل هذا الاحتفاء الذي لاقاه أحمد شاه مسعود بعد مقتله في العام 2001 قبل يومين من 11 سبتمبر، وتشهد "ذكراه" كل عام مضاعفة لحجم الصورة المنصوبة له في ستاد كابول الذي يتوافد عليه المؤبنون في احتفال مصطنع للملمة ما يتقاطر من آخر جزيئات كأس "الوطنية" المسكوب تحت أقدام الغزاة الأمريكيين المناكيد.
يحتشد الآلاف في الإستاد الرياضي يتقدمهم الرئيس الأفغاني المعين حامد قرضاي، حيث يلقي خطاباً يمدح فيه مسعود ويتحدث تالياً عن ماهية الأوضاع في أفغانستان التي لا يكاد يرى فيها الرئيس أمناً أبعد من مدى نظره.. لا يعرف في الواقع أي علاقة تدعو الرئيس المعين إلى الحضور والاحتفال بمسعود الذي كان رغم كل علاقاته بالدول المعادية لأفغانستان "مناضلاً" وفقاً لقناعاته يقاتل السوفييت ثم حكمتيار ثم طالبان، فيما قرضاي لا يعدو سوى رئيس جاء على متن حوامة أمريكية ولم يتحمل حتى المجيء على ظهر دبابة للمحتلين، وحيث كان مسعود يقاتل كان قرضاي يمارس أعماله المالية في مجال النفط بالولايات المتحدة الأمريكية!!
الرئيس الفلسطيني أبو مازن ليس بعيداً في الحقيقة عن حالة قرضاي، الذي تذكر في ساعة الأزمة والعسر فجأة أن لفلسطين رئيساً كان محاصراً في لبنان ذات يوم فيما كان محمود عباس (أبو مازن) "يناضل سلمياً" في أكثر من بلد عربي في دنيا المال والأعمال.. الفارقان الجوهريان في هذه المقاربة كان انتماء أبو مازن لمنظمة التحرير الفلسطينية في حين لم ينتم قرضاي لأي فصيل مقاتل، سواء أكان الجمعية الإسلامية ثم تحالف الشمال أو غيرهما، وعدم وقوف قرضاي يوماً في وجه مسعود مثلما فعل أبو مازن مع الراحل عرفات..
فقد أرغم عرفات على تعيين أبو مازن كرئيس للوزراء ثم أرغم على استرضائه لمّا خرج من الوزارة مغضباً ومحتجاً على عدم تحكمه في أجهزة الأمن الفلسطينية مثلما كان يرنو والإسرائيليون والأمريكيون.
مأزقين يعاينهما قرضاي وأبو مازن، فالأول فشل في الاحتفاظ بمعظم الأراضي الأفغانية التي منحته الولايات المتحدة له لحكمها طبقاً لأحلام الدولة العظمى، ولم يستطع حتى تأمين احتفال "ذكرى" مسعود، فانصرف منه خائفاً مذعوراً لدى سماع حراسه زخات إطلاق النار، والثاني قلص مناطق السلطة الفلسطينية التي ورثها عرفات إليه إلى مناطق الضفة فقط، وتشقق بنيان الشعب الفلسطيني في رئاسته وشطر المناطق واقتسمها مع أعدائه برغم الدعم الوافر من الخارج، ثم أخذ يهاتف عرفات في الدار الآخرة أمس: "نؤكد لك يا أبا عمار كما نؤكد لشعبنا، تمسكنا بثوابتنا الوطنية على أساس قرارات الشرعية العربية والدولية ذات الصلة وبخطة خريطة الطريق والمبادرة العربية وبحل الدولتين الذي أعلنه الرئيس جورج بوش" فلبئس العهد والحل..
الشبيهان ما زالا يتعلقان بالماضي القريب مع أنهما ليسا له صانعين، كما أن الراحلين خرجا في الحقيقة من المعادلة، بيد أن الطوق المثقوب لن يمنح الغرقى الحياة..

نقطة أخيرة جديرة بالتأمل بقيت: قرضاي لم يتورط في قتل شاه مسعود ولا اتهم بذلك!!