أنت هنا

تركيا والدبلوماسية.. والقدرة على الإنجاز
16 شوال 1428

نعم، قد تفيد القوة كثيراً، لكن قد يفيد التلويح بها أكثر، وهذا ما يمكن أن يكون درساً شديد الأهمية في التعامل الدولي، حيث تبقى الدول الأقدر على التأثير هي التي تجيد تفعيل أوراق لعبها في كل صعيد وبكل ما يمكن لها أن تثمر فيه.
تركيا أنموذج يمكن أن يدرس كحالة لدى الدارسين لقدرتها على إنجاز كثير من أهدافها من خلال الضغوط التي تمارسها من خلال التلويح بالقوة دون تنفيذها، أو بالأحرى بعد تقديم عينة منها كما هو الحال في الحالة الكردية.
كان حزب العمال الكردستاني يضم قبل سنوات نحو عشرة آلاف مقاتل عندما ضغطت تركيا على سوريا لحد التهديد باستخدام القوة وحشد أرتال عسكرية على الحدود التركية/السورية في العام 1998 من أجل تسليم الأخيرة زعيم حزب العمال الكردستاني أو طرده، وحظر نشاطات P.K.K، وهو ما قد تم بالفعل ـ أي حظر الحزب ـ في مستهل العام التالي، أما أوجلان فقد طرد إلى كينيا حيث تم اعتقاله هناك بتنسيق مخابرات دول عالمية، والنتيجة حينها، فقدان معقل قوي للحزب في الشمال السوري، وثم اعتقال زعيم الحزب ومنظره، وتهاوي أحلام الحركة الانفصالية الكردية مع هدنة استجلبها استعطاف أوجلان لها بوقف الحرب التي تشنها على تركيا.
الأهم في نتائج تلك الجولة، كان تضعضع قوى الحزب العسكرية للحد الذي جعله لا يزيد عن ثلاثة آلاف مقاتل آل بهم الأمر إلى أن يكونوا عالة على مموليهم الذين وجدوهم مدفوعين إلى معقل واحد فقط، هو الشمال العراقي ومأخوذين نحو الغرب أكثر من أي وقت مضى.
ومهما يكن من شيء ومن الخلاف حول تقديرات قوة الحزب؛ فإنه لا يبقى كثير خلاف حول تراجع أسهم الحزب بعد اعتقال أوجلان والحكم عليه بالسجن مدى الحياة، وكل ذلك يترجم على أنه مؤشر لنجاح سياسة العصا والجزرة التي انتهجتها أنقرة في ذلك الحين ضد دمشق؛ فاتفاقية أضنة الأمنية بينهما ثم شراكة اقتصادية نامية كانت كفيلة ـ والحشود على الحدود ـ أن تتراجع دمشق ومعها الحزب وتتقدم أنقرة.
الآن يتواجد وفد دبلوماسي في طهران بعد مباحثات وصفت بأنها "إيجابية" مع بغداد، وكلاهما من خلف ظهر واشنطن التي افتعلت الأزمة الأخيرة، وما جنت منها حتى الآن إلا القتاد والحسرة.
الجولات المكوكية للمسؤولين الأتراك أسفرت عن نتائج ربما تسحب البساط أكثر وأكثر من تحت أرجل الأكراد الموالين لـ P.K.K، وتنعش آمال الأتراك في كسر عنق الخصم الداخلي الأول لهم، كما أنها توجه صفعة قوية للولايات المتحدة الأمريكية التي لن تنظر بارتياح لتقارب بين أنقرة وطهران، وهذا من سقطات الدبلوماسية الأمريكية التي قد يكون ثمنها باهظاً فيما بعد.
الخلاصة تكمن في أن دبلوماسية قوية تحرسها قوة فاعلة على الأرض مع رغبة في تحقيق إنجاز في السياسة والعسكرية معاً أحد أهم عوامل تحقيق ذلك الإنجاز، وليت دولنا العربية أو قوانا السياسية الرسمية وغير الرسمية في الحوض الإسلامي تنظر لهذه المزاوجة بين القوة العسكرية والدبلوماسية كنموذج يمكن الإفادة منه.