أنت هنا

هيلاري.. هل تصبر المقاومة العراقية عليها؟
17 رمضان 1428

"قد لا أستطيع ضمان الانسحاب الأمريكي من العراق قبل نهاية فترة رئاستي في حال انتخابي رئيسة للولايات المتحدة الأمريكية" [المرشحة الديمقراطية للرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون، أمس، معترفة بموافقتها الضمنية على بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في العراق لخمس سنوات قادمة].
لم يكن تصريح عابر أو جملة استدعتها اللحظة الانتخابية داخل أروقة الحزب الديمقراطي، وإنما استشراف مبكر لمستقبل عسكري في منطقة مائجة بكل جديد؛ فهل يمكن لكلينتون الزوجة الطامحة إلى منصب الرئاسة الأمريكية أن تبني رؤيتها لخمس سنوات على معطيات متغيرة، يقول عنها العسكريون أنها بادية في التحسن، ويقول الرئيس الحالي أنها كذلك، ما استدعاه لتخفيض رمزي لقواته في العراق خلال العام القادم؟
الأمر أبعد من أن يكون تخرصاً أو رجماً بالغيب، بل تشبث "استعماري" مألوف من دولة ورثت إمبراطورية لم تغادر بلداً احتلته إلا بعدما استنزفت موارده ونهبت ثرواته..
على كل حالٍ، لن نعيد الحديث المتكرر عن نهب الثروات، فما تنفقه الولايات المتحدة الأمريكية بسبب مغامراتها في العراق كل عام كبير، وهو في ميزانية العام يزيد عن 190 مليار دولار لكل من العراق وأفغانستان، للأولى القسط الأكبر من الإنفاق (هذا إن كانت المعطيات الأمريكية في هذا الصدد دقيقة).
لربما كان تصريح كلينتون يرنو إلى تهيئة الأجواء لاحتلال دائم ومزمن للقوات الأمريكية للعراق، أو ربما جاء ليعفي كلا الحزبين التوأمين من مغبة الاستمرار في فرض الذات الأمريكية على العراقيين بالقوة، أو ربما يدخل في سياق التجاذبات الكلامية بين واشنطن وطهران والتلويح بجميع الأوراق في لحظة نووية فارقة، لكن التصريح في مفرداته، وهو يوحي بقوة المقاومة نوعاً ما وبصعوبة الخلاص من المناخ السائد في العراق، يخرج المقاومة من معادلة الفعل، أو يستثنيها من القدرة على الفعل، قاصراً تأثيرها على ردود الأفعال، وإبقاء الحالة العراقية في حالتها الراهنة تلك أو تراجعها بقدر يسمح للولايات المتحدة بانسحاب جزئي مع الاحتفاظ بقسم كبير من قواتها هناك.
وهذا كله غير صحيح، فالخطاب الأمريكي يثبت عجزه كثيراً عن تبرير سياساته، بجمهورييه وديمقراطييه، والأحجية الأمريكية تقول جمهورياً بأنه قد حدث تحسن كبير في الوضع العراقي، بدليل ما تحقق في مناطق السنة لاسيما الأنبار أكبر المحافظات العراقية والسنية على الإطلاق، لكن ذلك لا يفضي إلا لانسحاب أمريكي هزيل من هناك يمثل نسبة 7% تقريبا من عدد القوات، وهذا الانسحاب ليس الآن بل العام القادم إن صدق قائلوه!!
ويقول ديمقراطياً: إننا نعارض بقاء القوات، بل نبالغ بالتلويح بعزل الرئيس الأمريكي، وسنضيق على القوات الأمريكية دعماً في العراق لدفعها إلى جدولة الانسحاب، ثم نتراجع إلى حديث يفوق توقعات بوش ذاته.. قد لا ننسحب قبل 5 أعوام، أي بعد 11 عاماً من عملية غزو العراق التي كانت تهدف ظاهرياً إلى منع العراق من امتلاك أسلحة الدمار الشامل وإطاحة صدام وبث القيم الديمقراطية فيه..
هيلاري كلينتون تريد أن تقول بشكل أوضح أننا لن نخرج من العراق لأن لنا مصالح استراتيجية (اقتصادية وسياسية وأمنية ودينية) فيه، وتريد أن تلمح إلى أن المقاومة العراقية بالكاد تكاد أن تجبرنا على البقاء منعاً لانفلات الأمور، لكنها تتجاهل أن القدر ليس أمريكياً، وأن الله من وراء إرادتهم محيط، وأنه على كل شيء قدير، وأن قدر هذه الأمة أن تبقى فيها ثلة قائمة لله بالحق، تدفع دمها وأرواحها وأموالها رخيصة فداً لدينها وأمتها ووطنها، وأن بقاء القوات الأمريكية سيكون يوماً ـ بإذن الله ـ حلماً لهيلاري وحزبها وقومها لن ينالوه.. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".