أنت هنا

شِعب بني غزة هاشم.. ومسؤولية الأمة
9 رمضان 1428

القرار الذي أصدره الكيان الصهيوني باعتبار غزة منطقة معادية ثم لحقه القرار الأمريكي بساعات تأييداً ومضيفاً بأن الولايات المتحدة تعتبر حركة حماس حركة معادية كذلك، كلاهما وسام وضعه الأعداء على صدر حماس؛ فإنه لا الحركة ولا غزة هاشم المجاهدة يشرفهما أن يكونا كيانا متواطئاً ـ أو حركة عميلة ـ مع العدو الصهيوني المجرم، والولايات المتحدة الطاغية ـ أو لهما ـ.
لا شك أن كلا الكيانين الغاصبين، ونعني بهما "إسرائيل" التي تشكلت على أنقاض فلسطين، عدواناً وسرقة ونهباً لأموال وأراضي وممتلكات الفلسطينيين وسطت على تراثهم، والولايات المتحدة الأمريكية التي فعلت الشيء ذاته بالهنود الحمر ونفذت ضدهم مجازر يشيب لهولها الولدان، لا يقدمان جديداً في ما يخص العداء لهذا الإقليم من جسد فلسطين الغالي، لكنهما يؤشران لما يتبعهما من حال مضاعفة المعاناة التي يعانيها أهلنا هناك خلف أسوار غزة المحكمة.
إن غزة هاشم قطعة عزيزة من بلد أبي كريم، لا تتسول من أحد ولا تريد أن تتسول من أحد فضلاً عن أن يكون محتلاً غاشماً، وهي التي عاشت على الدوام تصدر الخير للآخرين، ولا يقع منها هذا القرار مبلغاً سيئاً، غير أن المشكلة أن هؤلاء قد فرضوا عليها حصاراً شديداً وهددوا بلداناً مسلمة وعربية إن هي خرقت هذا الحصار، ثم شرعت في التحكم في قوت غزة والإمدادات الأساسية من دواء وماء وكهرباء.
إن مكمن المشكلة لا في أن أهل غزة هاشم المحصورين في شِعبهم الذي يشبه إلى حد بعيد شِعب أبي طالب من بني هاشم الذي منع عن المسلمين في مكة الغذاء والكساء والماء حتى تضوراً جوعاً وأشرفوا على الهلكة من أجل أن يساوموا في دينهم أو يقبلوا فيه شروط الأعادي، أن يعبدوا الله عاماً وآلهة الكفر عاماً.. أو أن يرضخوا للاحتلال ولأدواته وأزلامه ويرضوا بالدنية ويساوموا على مبادئهم وعقيدتهم وتراث أجدادهم الغيارى .. مجرد عاطلين عن العمل ينتظر الهبات من الاحتلال، لا، إن مكمن المشكلة حقيقة في هذا الحصار المحكم الذي يفرض على "القبائل" ألا تؤاكلهم ولا تبيع منهم وتشتري..
المشكلة الكبرى أن هذه القطعة الغالية المستقطعة من التاريخ والجغرافيا والسياسية ترزح الآن تحت نير احتلال، من المفروض أن يلزمه العالم بما يفرضه "شكليا" من قوانين "تجميلية" من التكفل بتزويده بالمواد الأساسية ما دام يخضع لقوة احتلال لا تزال تسيطر على حدوده ومجاله الجوي ومياهه الإقليمية، مثلما قال الدكتور سامي أبو زهري المتحدث باسم حماس: "إن غزة ليست كيانا مستقلاً حتى يتم التعامل معها ككيان معاد لأنها لا تزال تحت الاحتلال".
حين كان المسلمون محاصرين في شِعب أبي طالب، كان الإسلام كله محاصراً هناك، ولم تكن هناك من ملامة على القبائل العربية المشركة حوالي الشِعب المحاصر وخارج حدوده الضيقة، بيد أن الأمر جد مختلف هذه المرة؛ فالأهل هناك وإن كانوا يعانون من حصار مماثل أو أقل ضراوة وآخذ في التردي، ومن قبل دولة تخافها الدول من حولها، وتتمتع بمظلة الدولة "العظمى"، إلا أننا نعيد التذكير بأن غزة تعيش وسط بحر متلاطم من العرب بمئات الملايين، وحولهم حوض أوسع يضم ما يقارب من ملياري مسلم، وهؤلاء كلهم مسؤول بشكل مباشر وفي شهر فضيل كهذا يعزز هذه المسؤولية عن الأهل هناك وعن الضغط على كل من يعنيهم الأمر ـ أو لا يعنيهم ـ لتحريك قضية الحصار واتخاذ موقف لا نقول بالضرورة إسلامي ولا عربي ولا سياسي، بل على أقل تقدير إنساني لا يجعل الحاجات الأساسية مجالاً للضغط والمساومة، فهل يمكننا التطلع إلى قدر من المسؤولية تحكم أفعال بلدان المسلمين حكاماً ومحكومين.. أم سيظل الكيان الغاصب يقهر أهلنا ثم يدعوهم مثلما دوماً ندعوه "كياناً" منبتاً لا جذور له ولا أصل؟!