أنت هنا

رمضان أمة لا تنكسر
1 رمضان 1428

لنسمها ذاتية الإسلام في الدعوة لذاته، أو ليسمها العلماء معرفة الرجال بالدين لا معرفة الدين بالرجال، أو لندعوها ما شئنا؛ فتلك "صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً"، وتلك إرادة الله في أن يكون الدين محفوظ ما دامت السماوات والأرض..
يخطو الطفل إلى المسجد، ليتعلم من محفظ القرآن.. يسمع كلام الله ويسمعه الناس من دون أن يعرف استراتيجيات الدول أو تلحقه مكائدها.. يتلو ويحفظ ويصوم ويصلي وما من إرادة أممية تستطيع ثنيه أو قهره لأن الله حافظ له دينه ومتم عليه نعمائه..
إنه رمضان يجد السير إلينا حثيثاً.. يظلنا بنفحاته، ويذكرنا بفضل الله علينا أن رضي لنا الإسلام ديناً، واقعياً، ملائماً لكل عصر وكل زمان، يحمل في طياته أسرار قوته وبقائه.. يغلون فيه أو يفرطون؛ فيبقى وسطياً لا يتسلل الخور إليه.. يكيدون كيداً؛ فيكيد الله كيده، ويتم نوره ولو كره الكافرون..
يمضي الناس إلى مساجدهم والنور في محياهم، مهما بغى الظلم وغلب، ومهما ضاقت على الدعاة سبلهم، ومهما حاصر الغطاريس الطغام دواوينهم ومنتدياتهم ومساجدهم، لأن نسائم الإيمان لا تحدها قضبان أو تمنع فيضها الأسيجة.. ألم يتوعدوا رمضان بأكثر من 40 مسلساً وعشرات البرامج التافهة ويغمروا ليله ونهاره بكل ما يلهي عن واجب الوقت الرمضاني؟ وألم تتسمر ملايين أمام شاشاتهم المغرضة؟ بلى، لكن ملايين آخرين قاطعوا خَبَثَهم وتجنبوا خُبثهم، ومضوا إلى المساجد يتلمسون نفحات الرحمن في شهر الرحمة والغفران..
ألم يعدلوا مناهج التعليم ليحرموا النشء من سماع كلام الله؟ بلى، لكن ليموتوا بغيظهم؛ فالله متم على المؤمنين نعمته، ليموتوا؛ فالمصاحف بيد الأطفال، والصبايا والفتيان، في بيوتهم ومساجدهم ومدارسهم وجامعاتهم، ووسائل المواصلات لا تكاد تخلو من شباب وفتيات يتلون كتاب الله.. حتى تلك التي سعدتم بنزعها لحجابها، بعدُ لم تنس دينها ولم تدر له ظهرها، تقرأ في مصحفها لعل الله أن يتوب عليها وتجد في ساعة نفحة إيمان تؤوب معها لربها.. إنها ليست من جندكم وإن بدت كذلك. إن جذوة الإيمان في قلبها لم تنطفئ ولوعة المعصية في حلقها لم تذب أو تزول..
ألم يجعلوا من جيوشهم قيدوا تلف معاصمنا، وأرادوا فرض إرادتهم علينا، وحرفنا عن جادتنا؟ بلى، بيد أن راية الإسلام لم ولن تسقط، وهاهي ذا المقاومات والممانعات تتأبى أن تسلم لهم الخطام.. يقوم الرئيس الأمريكي بزيارة استعراضية إلى الأنبار، ويختزل المقاومة في جهد محدود لصراع بين عشائر ومسلحين محدودين، ويدغدغ مشاعر شعبه بحديث عن انتصار أو تقدم، ويعزز خطته الجنرال باتراوس وكروكر بتقريرهما لترويج وهم اسمه "الانسحاب الجزئي المؤقت"، لكنهم يدركون كم يكابدون في العراق وكم ينتظرهم في قادم الأيام..
ويهرول الرئيسان الباكستاني والأفغاني خلف الولايات المتحدة في أفغانستان ووزيرستان، لكنها هرولة لا تعدو أن تكون خلف هارب بدأت قواته تتداعى ومعنوياته تنهار، وتبدأ المقاومة في أفغانستان جولة رمضانية واعدة يفرق لهولها الأتباع..
يكاد الرئيس الأسترالي يحزم حقائبه ليلحق برؤوس الحرب أثنار وبيرليسكوني وبريل، وهذا الأخير يحاول سلفه أن يصحح بعضاً من أخطائه فسحب ثلثي قواته من الجنوب العراقي..
المقاومة الفلسطينية تلملم جراحها وتذيق الصهاينة وبال سلاح الصواريخ الآخذ في التطور؛ فدماء الشهداء ودعوات الصائمين لا تذهب أدراج الرياح.
المحاكم الإسلامية في الصومال تعود بإطلالتها الواثقة من جديد فلا تهن ولا تضعف ولا تستكين..
إنها طبيعة أمة لا تزال نابضة بالحياة، لا تنكسر ولن تنكسر، يظلها رمضان فتلقي عن كاهلها الأحزان، وتبادر إلى ربها تتلمس منه الرحمات.. تتصدق بالمال وتطعم الفقراء وتتلو القرآن، ليظل الخير في رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي أمته إلى يوم الدين.. " وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُون".