أنت هنا

ماذا يعني فوز جول؟
17 شعبان 1428

كان متوقعاً أن يصير عبد الله جول المناضل السياسي المحافظ رئيساً للجمهورية التركية برغم خلفيته الإسلامية، لأنه ببساطة لم يكن هناك من بديل إلا هو.
وهو، وإن لم يكن الطريق معبداً أمامه إلا أنه كان حريصاً على اجتياز عقباته حتى النهاية، لأنه وزعيم تركيا الحذر، رجب طيب إردوجان، كانا على قناعة بإفلاس الخصم العلماني العنيد وفقدانه لأوراق عديدة كانت فيما مضى تحول دون الطموح "الإسلامي" بتغيير وجه الأتاتوركية التركية.
الرفيقان إردوجان وجول خاضا المعركة بذكاء وحنكة اعتماداً على عوامل أجرت الجوار المنشآت في البحر التركي إلى شطآن الانتصار السياسي والاقتصادي؛ فقد كانا يدركان بحسهما السياسي العالي أن التوافق على رئيس تركي ليس من حزبهما هو نوع من التفريط في لحظة اقتناص الفرصة التي جاءتهما على قدر وربما لا تعوض مرة أخرى.
الظرف الدولي يجري في صالح حزبهما، حزب العدالة والتنمية، كذلك الظرف الإقليمي، غير أن الوضع المحلي كان أهم من ذلك كله، وأدعى أن يجدا السير باتجاه القصر، وللوصول للقصر ضريبته مثلما له مميزاته، وقد صار من المستلزم على جنرالات الجيش التركي أن يقلبوا جميع الأوراق بما فيها ورقة الضمانات؛ فالضغوط الأوروبية والأمريكية قلصت من نفوذ الجنرالات لكنها لم تنهها تماماً، ولهم دور لن يتنازلوا عنه أو يفرطوا فيه، والشروط واضحة.. عدم المساس بالشكل العلماني للدولة، وعدم الولوج في بحور "الأسلمة"، والالتزام باستقلال الجيش كمؤسسة لها تقاليدها الأتاتوركية، وعدم المساس بأركان الاقتصاد وأساطينه الكبار، والتحرك من داخل منظومة متكاملة لا تقتصر على مؤسستي الرئاسة والحكومة متساوقة مع محددات السياسة التركية الرئيسية، والالتزام بالتعهدات الدولية والإقليمية القاضية بعلاقات عسكرية وسياسية مع دول حليفة كـ"إسرائيل".. والأخطر عدم الاقتراب من الحدود الحمراء عند الاتفاق على دستور جديد للبلاد.
ومع حزب يؤمن بسياسة الخطوة خطوة دون إبطاء في ملفات سياسية واجتماعية واقتصادية، أضحى من الممكن التوافق على تجنب التصادم.
بيد أن الإعلان عن اعتلاء جول سدة الحكم لم يكن نتيجة طبيعية لما يمكن أن يعتبر "صفقة" بين حزب العدالة والتنمية، والمؤسسة العسكرية التركية، وإنما كان بالأساس نتيجة حتمية لتفسخ الحالة الحزبية في تركيا وصعود الحزب المحافظ ذي الجذور والملامح الإسلامية، ونجاح قادة وكوادر الحزب في رفع أسهم الحزب إلى الدرجة التي جعلته فوق جميع الأحزاب الأخرى بمراحل، ومهدت له الطريق ليعيد تجديد ثقة الشارع التركي فيه.
إن أبرز العوامل التي أدت لفوز جول بمنصب الرئاسة التركية، هو اقتراب حزبه من آلام الناس والتصاقه بتطلعاتهم الحياتية، وتوافقه إلى حد هو أكبر من مجمل الأحزاب مع موروث هذا الشعب المسلم، وإن نأى كثير منه عن جادة الحق.
ولمن يدقق أكثر، سيجد جول قد جاء إلى منصب الرئاسة لأنه الأطهر يداً والأفضل خلقاً والأكثر رغبة في الإصلاح والأقرب ديناً من جميع سلفه، فكان الاختيار منطقياً لأن الشعب قد خبره وحزبه فوجدوهم أقدر على حمل الأمانة من كل الأدعياء العلمانيين، الذين يفر الخير من بين أيديهم لو نالوه..