أنت هنا

المالكي..السم له مذاق خاص هنا!!
29 رجب 1428

كان الجميع يدرك أنه يئن تحت ضربات القوات العراقية المتكاثرة.. قصف بغداد بالصواريخ، لكن طهران كانت ترتعد من صوت صافرات الإنذار.. أراد ألا يكون أول من يصرخ بالألم.. كتم صوته لشهور رجاء أن ينجح في لعبة عض الأصابع بينه والرئيس العراقي الأخير صدام حسين، غير أن صوته خانه فصرخ في الثامن من أغسطس في عام 1988 بآهات الهزيمة، وأعلن يومها الخوميني مرشد الثورة الإيرانية بأنه مستعد لوقف إطلاق النار مع العراق، وهو ما وصفه وقتها بأنه "تجرع السم".
لن نجادل في كون حقن دماء المسلمين العراقيين يكافئ عند الخوميني تجرع السموم، وهو الزعيم الذي كان يعلن على الدوام إسلاميته وحرصه على المسلمين، فما فعله خلفاؤه وتلامذته فائض عن حاجتنا في الاستدلال على استعذابهم لطعم الدم المسلم السني، وحاصل كل ذلك كان تجرع السم بوقف نزيف الدم، وهو الشعور ذاته الذي يحس به رئيس الوزراء العراقي المعين نوري المالكي كلما فقد وزيراً في حكومته الطائفية التي يتساقط منها الوزراء اقتناعاً بعبثية عملها الذي لا يفضي إلا إلى مزيد من التفتيت وتقنين المحاصصة وتكريس الاحتلال وسرقة النفط، هذا عند بعض، أما الأكثرية فلتحركهم بما يتسق وسياسة آمريهم، أو لقلة حصصهم سواء أكانت الطائفية أم المالية.
تجرع السم لدى رئيس الوزراء العراقي المعين نوري المالكي، يرتبط بعدم القدرة على مناهضة حركات المقاومة العراقية التي تنتشر نشاطاتها في مجمل أرجاء العراق، والتي انسحب تأثيرها على النقطة الأكثر تحصينا في النسيج الأمني الاحتلالي، وهي المنطقة الخضراء التي لم تصمد سياسياً تحت وطأة الضربات النضالية، فارتد صدى صوتها استقالات جماعية لكتل برلمانية ممثلة في الحكومة العراقية المعينة أبقت أغلبية ضئيلة تمنع انهيار حكومة المالكي، إذ لم يعد لدى المالكي سوى عشرين وزيراً يأتمرون بأمره خلافاً لسبعة عشر سلموه حقائبهم؛ ليصبح مسمى وزارة المالكي أضحوكة حين لا زالت تزعم أنها "حكومة وحدة وطنية"!!
ليس هذا هو المسمى الوحيد الزائف الذي يصبغ الحالة السياسية العراقية، فلقد سبقه العديد من المسميات والمفاهيم الزائفة والكاذبة التي ظلت البيادق الإعلامية تحملها وتسوقها، كمفهوم الديمقراطية، ولافتة الحرية، وإشاعة الأمن، والعدالة، والمساواة...
لكن على أية حال، فرأس الحكومة لم يكن ليتجرع السم في المنطقة الخضراء وحده، لا ولا في بغداد كلها، بل هرع إلى طهران، العاصمة الأكثر تأثيراً على حكومته، ليشارك "السادة" احتفالهم الحزين بتجرع "آية الله الخوميني" السم العراقي، فلقد وجد المالكي أن سم طهران أقل إيلاماً من بغداد التي لا تهدأ نيرانها ولا سياراتها المفخخة وقذائفها النارية ولظى حممها كلما خطر على ثراها محتل أثيم، أو عتل بعد ذلك زنيم.
فليتجرع ما شاء الله للمالكي أن يشرب، وليصرخ في سادته "وداوني بالتي هي الداء"، فلن يكون الحل هناك أبداً، ولو خطب ود الآيات في طهران، واعتذر نيابة على الأذناب في بغداد عن "غلطة" الرئيس العراقي الراحل في "قادسية صدام"، وليشاطرهم مناحتهم، فما أعاد لطم الخدود ميتاً ولا مَنَح الهروب للخائفين الأمان.
"والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون"