أنت هنا

الحل الأحمر لأزمة المسجد الأحمر
25 جمادى الثانية 1428

قد لا يمكننا أن ندعي علماً يقينياً بما يدور في الساحة المحيطة بأزمة المسجد الأحمر، وتعاطي السلطات الحكومية والأمنية، وطبيعة الحركة الاحتجاجية في داخل المسجد، وحدود التأييد الشعبي أو المعارضة لهذا التحرك، لكن بوسعنا أن نلحظ ما يكتنف مثل هذه الأزمات من استعداد عالٍ للتعامل وفقاً للحلول الحمراء التي تفضلها السلطات الأمنية في معظم بلداننا الإسلامية في مقابل الحركات الاحتجاجية التي تعارض سياسات حكوماتها وأنظمتها التي عادة ما تكون شمولية.
ما نسمعه من أنباء حول أزمة المسجد الأحمر يسوء كل مسلم حين يرى الشدة ناجزة مع الداخل، والحديث عن "هيبة الدولة" وسيادة النظام لا يتم استدعاؤهما إلا حين يتعلق الأمر بمواطنين بخلاف الغرباء ممن ينثرون قواعدهم العسكرية في بلدان العالم الإسلامي، ومنه باكستان، ذاك البلد الذي يكاد يتساوى عدد سكانه مع سكان الولايات المتحدة الأمريكية، لكن نظامه يأبى إلا أن يسلم سماءه وأرضه للغازي يجول فيهما دون رادع، لا بل يقتل من مواطني باكستان أنى طاب له ذلك، وما حوادث المناطق الحدودية من الملاحظين للشأن الباكستاني ببعيد.
هل جرى القدر في بلدان العالم الإسلامي أن تكون بعض أنظمتها عزيزة على مواطنيها ذليلة على الغرباء؟! فأي مسوغ يطرح لقتل كل هذا العدد من المتحصنين في المسجد سواء أكان يقودهم أو يسيطر عليهم مسلحون محترفون في داخل المسجد أم كانوا متحصنين عاديين؟ وأي جرأة امتلكها النظام الأمني للولوغ في هذه الدماء؟
ألم يكن هناك حل آخر خلاف هذا الحل الأحمر الذي لجأ إليه الجيش الباكستاني لكيما يحاكي نظراءه في الدول الإسلامية التي تسارع دوماً إلى التلويح بالسيوف متى كان الأمر يتعلق بمواطنيها الخارجين أو المتمردين عليها الرافضين لها..
إنه أمر مخجل ألا نسمع كلمة "سنضرب بيد من حديد" إلا عندما يتعلق الأمر بشعوبنا النافر منها أو المطيع للأنظمة الحاكمة، تسلق شعوبها أو فئة منها بألسنة حداد كلما ظهر منها خروج على خط القانون والنظام، ثم نسمع منها خطاباً مخملياً إذا ما حاورت الغرب.
كثيرون في عالمنا الإسلامي لا يتفقون وما فعله المتحصنون في المسجد ابتداء رحم الله من قتل منهم وغفر لمن بقي، ولا يشاطرونهم نهجهم الفكري والسياسي، ولا يعتبرون تعريض المسجد والنساء والذراري لما تعرضوا له نوعاً من الحكمة أو طريقاً سالكاً لتحقيق أي هدف ولو كان نبيلاً، وكثيرون أزعجهم تحول مسجد يقيم فيه المسلمون شعائرهم إلى ساحة حرب، وساحة لتصفية حسابات، والبعض يلوم بل يدين أصحاب التوجه الذي تسبب في إدارة هذه المعركة الخاسرة للطرفين المسلمين، لكن مع ذلك؛ فإن ما يثير حفيظتنا جميعاً أن تكون النهاية بهذا الشكل الدموي والإجرامي الذي لا مبرر له مطلقاً في وقت تحل أزمات مماثلة كثيرة بطرق تستخدم فيها الغازات المخدرة إذا ما فشلت المفاوضات الجادة في حقن الدماء وتجنيب النساء والأطفال والشيوخ مثل هذه المعارك.
المؤلم حقاً أن يعلن الليلة عن انتهاء الأزمة بعد أن سفك المتهورون في النظام الأمني الباكستاني دماء العشرات من المسلمين المصلين وهم بعد محصورون في مكان ضيق لا يسمح لهم بالمقاومة أو القتال.. أفلم يكن أجدى أن ينظر لهؤلاء كـ"سياح أجانب" يحرص الجميع على كل قطرة تسقط منهم، أم أن الدم المسلم سيظل رخيصاً في حسابات الأنظمة في الدول الإسلامية التي تبدي حرصاً مبالغاً في المقابل في الحفاظ على دماء الغرباء..
أيحق لنا أن نسأل بعد كل هذا، لماذا يسترخصنا الغرب؟!!