أنت هنا

أي مأرب في عملية سد مأرب؟!
20 جمادى الثانية 1428

لا أحد لديه مسحة من حياء ويحتفظ ببقية قيم إسلامية رفيعة تعلي من سلوك التستر والتعفف، يتقبل بنفس مطمئنة تجاوزات السياح الأجانب في عالمنا الإسلامي ممن يكسرون حجب الحياء والخجل بممارساتهم الأخلاقية السيئة، بيد أن أهل العلم والحكمة وأولي النهى لا يقبلون أبداً أن يكون السبيل لوقف أي تجاوز يمس قيمنا من خلال جلب عادات معينة وسلوكيات متعدية تخالف ما يأمرنا به ديننا الإسلامي أو ما ينهانا عنها هو القتل وسفك الدماء لأناس قدموا إلى بلادنا في غير حرب أو عدوان.
بالأمس قُتل سبعة من السياح الإسبان وجرح ثمانية آخرين منهم في هجوم بسيارة مفخخة قرب معبد بلقيس الأثري في مأرب، عندما تعرضت قافلتهم السياحة المكونة من أربعة سيارات لهجوم بسيارة فجر فيها شخص نفسه بالسيارة التي كان يستقلها أثناء خروج السياح من معبد بلقيس الأثري بمأرب.. أما اليمنيون الذين لا قيمة كبيرة لهم لدى المهاجم وأعوانه فقد قُتل منهم اثنان وجرح مثلهما في الهجوم الذي لم يحفظ لا دم المسلمين المرافقين أو المهاجم، ولا دم "المسيحيين" القادمين بغرض السياحة على ما يبدو، لتنتهي العملية دون أن يفهم أحدٌ لماذا قامت، أو لأي غرض اتخذت وهدف وقعت، أو على أي أساس أو مبرر شرعي نفذت أو لأي فتوى استندت!!
ندرك ما تقوم به دول غربية واستعمارية ضدنا، لكننا لا نواجه غوغائية بغوغائية مثلها، ولا إسراف في قتل بآخر في غير قتال أو قصاص أو ما شابه، ولا استحلال لدمائنا باستحلال دم حرام مقابل، لأن الخطأ لا يبرر الخطأ ولا العدوان يبرر مخالفة أحكام الشريعة الغراء.
نفهم، بل نؤيد المقاومة للعدو الغاصب في كل بلد مسلم احتل أو استبيحت أرضه وثرواته، في فلسطين والعراق وأفغانستان والصومال والشيشان وكشمير وغيرهم، لكننا لا نفهم أن يتحول "الجهاد" إلى "جهاد ضد السياح" أينما حلوا في بلداننا أو ارتحلوا..
لقد أضحى الأمر مثيراً للتعجب والريبة، أن تتحول البنادق والقنابل إلى السياح في بلداننا الإسلامية من بالي إلى الدار البيضاء مروراً باليمن ومصر وغيرهم، أو تشهر الأسلحة في وجه رفقاء المقاومة في العراق أو تنصرف إلى الاختطاف في بلدان أخرى أو تتوجه في ثالثة غير مفهومة كما في الشام، ثم تتراجع في الثغور محل الإجماع والتأييد من المسلمين حين يخطر العدو على أرض الإسلام ويتهيأ لغزوها.
إن مثل هذه الحوادث، تومئ إلى حكمة مفتقدة وإلى وعي منقوص، يحتاج كلاهما إلى جهد توعوي وعملي وتأهيلي ليعود هذا الشباب إلى الجادة، جادة طريق المقاومة في سبيلها وفي مظانها، لأن هذا الانحراف عنها يؤدي إلى تشويه كلمة لا يمكن محوها من كتب الفقه، هي كلمة "الجهاد" التي تعني أشياء أخرى مغايرة تماماً لما بتنا نراه الآن من ممارسات متهورة غير محسوبة ولا موزونة بميزان الشرع والعدل . .. إن الألم لما يصيب المسلمين هنا وهناك، والحنق من وجود الجواسيس في بلاد الإسلام لا يمنح أحدا الحق في تجاوز الحدود الشرعية والضوابط الفقهية للجهاد وهو ذروة سنام الإسلام وأمل بناءه في النهوض بهم مما هم فيه من ذلة وصغار .