أنت هنا

لعبوا بالنار فأحرقتهم
6 جمادى الثانية 1428

لعبوا بالنار.. ظنوا أنهم مانعتهم حصونهم.. وظنوا أن تسليحهم الأمريكي وتدريبات الأشقاء والأوربيين ستمنحهم الثبات في معركة الدفاع عن "ثروة الثورة" ومكتسبات النضال في الفنادق، وظنوا أن هذه الأعداد الغفيرة ستمنحهم أماناً وقوة ومنعة حين يغضب الشعب المكلوم منهم، فذهبت ظنونهم أدراج الرياح..
لكن السنة لا تتبدل، أن مرتزقي النضال وسارقي الثورة هم آخر من ينالوا الثبات في المعارك، وآخر من يرتجى منهم خيراً، ولقد أحسن نابليون يوماً حين رفض أن يصافح خائن شعبه ووطنه، لأن الخائن وبائع الضمير والمبادئ لا يستحق حتى رصاصة الرحمة.
اليوم تتزاحم التقارير عن سر هذه الهزيمة التي لم تمن بها حركة فتح، وإنما الطغمة المتنفذة فيها التي حولت النضال إلى بازار يبتاع فيه الأمان الشخصي والدعة والمصافحات الذليلة بالكرامة الدينية والوطنية..
إن التقارير تتداول الآن في أكثر من عاصمة وفي أكثر من دائرة استخبارات، تتساءل، عن فرار المدافعين عن غزة ضد "احتلال حماس" لها، ومعظمها يتجاهل أن هذه القلاع التي كانت تنشر الرعب بين الآمنين في غزة لم تتعلم أبداً كيف تمسك ببندقية إلا في تهديد العزل والضعفاء.. لو كانت هذه الأيدي المرتعشة قد تعودت يوماً أن تتصدى لمحتل غاشم لربما أمكنها أن تقف في وجه حماس..
إن الشرفاء من حركة فتح اتخذوا الموقف الوطني المتوقع منهم فلم ينخرطوا في قتال فئة قامت عنهم بواجب التطهير الوطني من دنس هؤلاء الذين سارعت "إسرائيل" فلملمت فلولهم وساعدتهم على الهرب إلى خارج غزة عبر البحر الذي تمنع البعوضة عن العبور من شاطئه أو إليه، وهي التي سمحت لهم من بعد بأن يدخلوا آمنين إلى الضفة ليملئوها جوراً وظلماً وفساداً.
هو درس ينبغي أن يُتعلم، وأن يحكيه الكبار للصغار، وأن ينقله جيل إلى من يليه، أن العدد ولا العتاد ولا دعم الأعداء يمنح المقاتلين الثبات.. ذاك أن الثبات لا يعطاه إلا من ملك اليقين ومن يحيى لمبدأ قويم ويحمل راية سمحاء ويقوم لله، ولو كان من المستضعفين، أوليس الله قد قال في محكم التنزيل : "ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض فنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين..".
لقد كان عند الحركة التي تصدت لقتال العدو يوماً خلل كبير، استنكف القوم عن علاجه، حين ارتضوا أن يتركوا الفساد يستفحل ويتورم حتى غدا ورماً سرطانياً استحال استئصاله دون أن يمس قلب الحركة وقيادتها المتنفذة والتي تحتكر الحديث باسم الحركة وتبيع نضالها في أسواق الغرب والصهيونية، وهذا الخلل أوردها هذا الضعف وهذا التراجع الذي أصاب قسماً كبيراً منها وخدش كفاح المناضلين منها، الذين ما زال العدو ينزف منهم الدم، ولقد يعلم الجميع وللحق أن في القوم أناس شرفاء لا نجرؤ على أن نبخسهم حقهم، لكنهم لم يكونوا أبداً في خندق العداء مع حركة المقاومة الإسلامية، ولا ينبغي لهم أن يظنوا أنفسهم في هذا الخندق، ولا أن تدفع بعضهم عصبية وحزبية وحمية أن ينتصروا لظلم هم أول من اكتوى بناره، ومن هنا يلزمهم أن يمتازوا وأن يدعوا اللاعبين بالنار يصلونها وحدهم لأن أحداً لا يريد لهم أن يصطلوها مع هذه الطغمة التي سرعان ما ألقت لها أمريكا وأوروبا و"إسرائيل" طوق النجاة في الضفة، فاستثنتها من الحصار لحاجة خبيثة في نفوس بني إسرائيل..