أنت هنا

حماس.. حين فاض بها الكيل
29 جمادى الأول 1428

ما الذي يدفع حزبا فائزا في الانتخابات إلى أن ينفذ "انقلابا" على مؤسسات هو يرأسها أو يفترض أنه يرأسها؟!
ليس هناك سبب مفهوم إلا أن يكون هذا الحزب يعاني من تمرد الأجهزة الأمنية عن الانصياع لأوامر حكومته..
ما الذي يجعل حزباً يملك أغلبية كافية يظل يطالب الخاسرين بمشاركته الحكومة ولا يقبلون إلا بعد استحواذهم على حصة كبيرة من الوزراء ثم يمنعون انطلاق هذه الحكومة من بعد هذا؟
إنها رغبة في المشاركة وتحمل المسؤولية منه، ورغبة في الاستئثار والتحكم واحتكار الحديث باسم القضية الفلسطينية وجرها إلى مستنقعات الاستسلام والتطفل على المقاومة ومشاركة فقراء غزة والضفة في أموال المساعدات التي تأتي ممن يدرؤون بالمال عجزاً عن المشاركة في الدفاع عن المقدسات.
إن حماس لم تتحرك اليوم إلا من بعد أن فاض بها الكيل وحرمت من أبسط حقوقها في تنفيذ استحقاقات الانتخابات التي جرت قبل أكثر من عام من دون أن تهنأ فيها بيوم واحد في السلطة دون منغصات من مناضلي فنادق أوروبا المتنفذين في حركة فتح، والذين تدعوهم حركة المقاومة الإسلامية بالانقلابيين.
محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ذو العلاقة الوثيقة بأركان النظام الاحتلالي الصهيوني في تل أبيب والذي يرى مبتسماً في لقاءاته معهم، واضعاً قدماً فوق أخرى عندما يكون اللقاء مع "شركاء النضال" من الحكومة الفلسطينية، شارك بلا مجال للتكذيب في حملة الحصار على الشعب الفلسطيني الذي عانى كثيراً من خياره الطبيعي بانتخاب المناضلين الحقيقيين في حلبة المنافسة وأصحاب الأيدي البيضاء والأثر المقاوم والفاعل.
أما دحلان وفرق موته التي شكلها؛ فقد نجح في إعادة الأضواء إلى تاريخ "الأسلحة الفاسدة" من أربعينات القرن الماضي، ليصبح السلاح الفلسطيني بـ"فضل جهوده المضنية" عنوان الحوار الداخلي الفلسطيني، وإليه يعود الفضل في تقلص دور كتيبة "المستعربين" في جيش الاحتلال الصهيوني بعد أن وفر له بديلاً عربياً لا مستعرباً يغريه بالمال حتى ينسى غرض حمل السلاح في كف الفلسطيني، ويمارس دوراً قذراً لا يشرف ذاته ولا أسرته ولا عشيرته ولا أبناء دينه.
أما باقي فتح فللأسف لم تنجح في تحييد الانقلابيين أو اللحديين لأن المال لا يصنع الرجال وإنما يصنع الرجال النضال، والذين ينطلقون من مصالح شخصية ومن رغبة في إعلاء العصبية والحزبية محل المصالح الدينية والوطنية لا يستأهلون أن يكونوا في الصدارة ولو كانت تلك حقائق القوة في زمن من الأزمان أو لحظة من التاريخ البائس لهذا الشعب الحر المناضل.
إن أعظم مشكلة تواجه فلسطين اليوم ليست هي هذه الأزمة، مع ما فيها من دماء، وإنما في الفتنة التي تذهب بالهوية؛ فيصبح ضائع الهوية ملتصقاً بمانحي المال والسلطة ولو على حساب المبادئ.. إنها أزمة مبادئ تعصف بهذه الحركة العريقة وتحتاج من أولي النهى أن يقفوا من حركتهم الهرمة موقفاً فاصلاً، فإما الاعتدال وإما الاعتزال.