أنت هنا

الأكراد دوماً يدفعون الثمن
24 جمادى الأول 1428

عندما أقيمت محكمة الأنفال لمحاكمة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وعدد من قادة نظامه على ما قيل عن مسؤوليتهم عن جرائم حرب قتل فيها آلاف الأكراد بموازاة محاكمة الدجيل، كان المستهدف من هذه المحاكمة إرضاء الأكراد للانتقام من مرتكبي المذابح ضدهم (على الرغم من توافر أدلة شبه قطعية على ضلوع نظام الخوميني في قتلهم بالأسلحة الكيماوية في واقعة حلبجة وغيرها)، وذلك إلى جوار إرضاء الشيعة بالانتقام من الرئيس العراقي، غير أن سير الأحداث المتعمد من قبل الأمريكيين والشيعة في العراق قد جرى غير ما تشتهي السفن الكردية، فشنق صدام حسين بسبب ما قيل عن جريمة قتل 84 شيعياً في الدجيل، ومضت قضايا قتل الأكراد بالآلاف إلى سراب المصير بعد أن أُعدم أهم المتهمين وانتهت القضية عملياً..
وعندما اهتبل الشيعة العراقيون معظم المناصب كان للأكراد مناصب شرفية كرئاسة الدولة بلا صلاحيات فعلية.. أما عندما ضعفت شوكة المحتل في العراق؛ فقد بدأت احتمالات ذيوع الفوضى في كردستان العراق بعد أن هددت تركيا بالتوغل في العراق على حساب الأكراد لملاحقة متمردي حزب العمال الكردستاني الذين يتخذون من الشمال العراقي الوعر معقلاً لهم.
الأكراد نأوا بأرضهم عن الصراع الدائر في العراق، ونجحوا لحد الآن في المحافظة على هدوء إقليم كردستان الذي يحظى بحكم ذاتي، إلا أن هذا قد لا يحول بين دخول كردستان دوامة الصراع لأسباب إقليمية عديدة؛ فالنظام الكردي المسيطر على الإقليم ارتهن نفسه للأمريكيين والصهاينة رغبة في الحصول على قدر من الاستقلال، ليس بمقدوره أن يحصل عليه، إذ ستظل مدينة كركوك ـ وما حولها ـ التي تحوي نحو ثلث الاحتياطي النفطي العراقي مطمعاً للجميع، لا لأن المدينة ذاته متعددة الأعراق من كرد وعرب وتركمان وغيرهم (وهو ما حرص على أن تكونه النظام العراقي السابق) فحسب، وإنما لأن لكل فريق من هؤلاء امتداداته الإقليمية الحريصة على عدم استئثار فريق دونها بهذه الثروة الضخمة..
تركيا من جهتها بدت راغبة في مد أذرعها إلى العمق الكردستاني لأسباب بعضها قد يكون منطقياً، إذ أنهى حزب العمال الكردستاني الذي بات يتمركز بشكل كبير في الشمال العراقي الهدنة التي أعلنها من جانب واحد قبل سنوات رغبة في الإفراج عن زعيمه المحكوم بالإعدام منذ سنين، ونفذ عمليات في الآونة الأخيرة أسفرت عن مقتل أكثر من عشرة من الجنود الأتراك وإصابة العشرات جراء عملياته التي لا يمكن للأتراك غض الطرف عنها، لاسيما مع اقتراب موعد الانتخابات التركية الشهر القادم. وتركيا أيضاً لديها أطماع في النفط العراقي، ولديها مبرر بالتدخل حفاظاً على الأقلية التركمانية من الاعتداءات المتكررة عليهم.
أيضاً هناك الإرث العدائي التاريخي بين تركيا وإيران، الذي يزداد نشاطاً كلما حقق الإيرانيون مكاسب إلى الجنوب من تركيا.
هناك رغبة تركية نمت مع ازدياد الجفوة مع الأوروبيين، عززها قبل يومين سحب الأتراك لقواتهم الخاصة مع سفنها وطائراتها الذين وضعتهم تحت القيادة الأوروبية احتجاجا على رفض الاتحاد إشراكها في عملية اتخاذ القرار، كما أن الجفوة هذه مدعومة برفض تركي ومماحلات بشأن انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
الأمريكيون حذرون من جهتهم من امتداد الفوضى إلى الشمال واتساع الرقعة على الرتق، غير أنهم ليس بوسعهم الضغط بقوة على الأتراك في وقت تمد روسيا يدها إلى الأتراك رغبة في التعاون النفطي معهم.
أما دول الجوار العربية، فيصعب عليها التدخل بشكل مباشر في الوقت الحالي، لكنها مدعوة لدور أكبر فعالية.. لكن في النهاية لا يتوقع أن يخرج الأكراد بالكعكة الكركوكية وحدهم أو يُمنحوا استقلالاً وسط هذه الكواسر!!