أنت هنا

التحولات النضالية في فلسطين المحتلة من العلمانية إلى الإسلام الأسباب والدلالات
19 جمادى الأول 1428

الأسباب والدلالات
بداية يجب أن نتعامل مع أي ظاهرة في جوهرها الأساسي دون إغفال الجوانب الأخرى الثانوية طبعاً ، ومن ثم فإن الاقتراب من هذا الموضوع " موضوع التحولات النضالية في فلسطين المحتلة من العلمانية إلى الإسلامية خلال أربعين سنة من احتلال المسجد الأقصى عام 1967 " ، يقتضي بالطبع أن نضع مجموعة من الحقائق كالتالي
- أن الإسلامية ، والوجدان الإسلامي ، والنضال الإسلامي هو الأصل ، وأن العلمانية بكل روافدها وأفكارها ما هي إلا تيارات لقيطة ومن ثم فإن العودة إلى الأصل هو الأمر الطبيعي جداً ، بل هو نوع من التعبير عن أن هذه الأمة مازالت تتمتع بصحة داخلية وبنيان ثقافي قوي رغم عوامل الضعف الخارجية .
- أن النضال استناداً إلى الوجدان الإسلامي كان هو الأصل دائماً ليس في فلسطين وحدها بل في كل المنطقة العربية والإسلامية وأن الرموز التي قادت حركات التحرر الوطني ضد الاستعمار من الشيشان إلى أفغانستان إلى العراق وسوريا وفلسطين ومصر والمغرب العربي وليبيا وإفريقيا ، وإندونيسيا والهند . . . الخ كلها كانت إسلامية وكانت تستند على الوجدان الإسلامي للجماهير ونطالع في هذا الصدد أمثال الشيخ شامل ، وعبد الكريم الخطابي وعمر المختار ومصطفى كامل ومحمد فريد وعز الدين القسام وغيرهم على طول ساحة العالم الإسلامي عموماً والعربي خصوصاً .
- أن الجماهير لم ولن تتحرك إلا من خلال الوجدان الإسلامي ، وهذا أمر طبيعي ومفهوم ، ولذا فإن الحركات التي قادت الجماهير في عملية المقاومة كانت لا بد أن تستند إلى الإسلام ، وبخصوص فلسطين مثلاً ، فإن المقاومة الإسلامية كانت هي الأصل " عز الدين القسام " والهبات الجماهيرية كانت مرتبطة بالمسجد الأقصى " هبة حائط البراق سنة 1929 " إلى انتفاضة الأقصى الأولى 1987 ، والثانية 2003 .
- أن الحركات التي خطفت النضال الفلسطيني مثلاً تحت شعارات قومية أو يسارية لم تفعل شيئاً أصلاً ، ووصلت إلى طريق مسدود ، وحتى من كان نصيبه من الاستمرار لم يكن معياري الوجدان الإسلامي للأمة مثل حركة فتح وللاسم والتاريخ والممارسة دلالاتها في هذا الصدد ، ويكفي أن تعرف أن الجناح العسكري لحركة فتح هو كتائب شهداء الأقصى وهو اسم له دلالاته الدينية الإسلامية .
- أن المشروع العلماني برمته كان قد سقط على أرض فلسطين تحديداً ، فقد انتهى المشروع العلماني الليبرالي بهزيمة في عام 1948 وانتهى المشروع العلماني القومي واليساري بهزيمة في عام 1967 .
- أنه لم ينقطع يوماً النضال الإسلامي على أرض فلسطين بدءاً من هبة حائط البراق ، وثورة 1935 " ثورة عز الدين القسام " ومقاومة الإخوان المسلمين في 1948 ، واستمرار العمل الجهادي الإسلامي في غزة والضفة من 1948 – 1967 ، ثم تصاعد هذا العمل وبروزه من جديد مع الانتفاضة الأولى 1987 .
- إن الإبعاد العمدي والقسري والإعلامي لهذا التيار عن واجهة النضال كان أحد أسباب الهزيمة وكان أمراً مبيتاً بليل وجزء من مؤامرة دولية وإقليمية واسعة النطاق .
وفي الحقيقة فإن الوجدان الإسلامي للأمة عموماً وللشعب الفلسطيني خصوصاً يحتم إسلامية الصراع ، فنحن بالطبع لا نخاطب حجارة بل نخاطب بشراً لهم وجدان وثقافة وحضارة ومن ثم فإن من العلمية والموضوعية مخاطبة الناس من خلال ما يفهمون وهذا بصرف النظر عن رأينا في الثقافة الإسلامية سلباً أو إيجاباً بل إن المناضلين الشرفاء حتى من التيارات الأخرى وصلوا إلى تلك القناعة ، قناعة أن الناس لن تتحرك ولن تنخرط بالتالي في مشروع المقاومة إلا من خلال الوجدان الإسلامي وهذا الأمر كان واضحاً في كل الهبات والانتفاضات الجماهيرية الفلسطينية على طول تاريخ الصراع ومحطاته الرئيسية .
من ناحية أخرى فإن ارتباط أرض فلسطين بالنص الديني والمعاني الإسلامية باعتبارها أرض وقف إسلامي ، وباعتبارها أرضاً مقدسة ، وباعتبارها تضم أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين يذكي ويؤيد هذا الطرح ويعطي عمقاً واسعاً وجوهرياً للصراع فالصراع لن يكون فقط قاصراً على الفلسطينيين بل كل العرب والمسلمين وهذه ورقة لا يخسرها إلا أحمق ومن ثم فإن الإسلامية شرط لوجود عمق استراتيجي لأي حركة مقاومة .
من ناحية ثالثة فإن طبيعة الصراع ، وطبيعة الكيان الصهيوني وطبيعة الغزوة كلها تقود إلى اتجاه الإسلامية ، فالصراع جزء من الصراع التاريخي بين الإسلام والغرب والذي بدأ في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم واستمر في الزمان والمكان مع الدولة البيزنطية ثم مع الدولة الرومانية ثم في الأندلس ثم الصراع بين الدولة العثمانية وأوروبا وأخيراً الاستعمار والصهيونية ، وإغفال هذه النقطة يقود إلى نتائج وخيمة وليقل لي أي محلل موضوعي ، ما هو المبرر العسكري والاقتصادي والسياسي لدعم الغرب لإسرائيل إلا العداء للإسلام أولاً وأخيراً ، فإسرائيل شركة اقتصادية خاسرة وعسكرية خاسرة أيضاً ، وكان من الممكن للغرب وأمريكا أن يحقق مصالحه في العالم العربي أفضل بكثير في حالة عدم وجود إسرائيل وهكذا فالمسألة لا مبرر لها إلا الوجدان الغربي الصليبي وفي الحقيقة فإن الإشارات والتصريحات والتحركات الغربية كلها تعطي انطباعاً واضحاً وقوياً ومباشراً بالعداء للإسلام ورموز الإسلام ، وهذه ولا شك تصل إلى وجدان الناس والرد الطبيعي على ذلك هو رد التحدي بتحدي مكافئ ، فإذا كانت المسألة مسألة صليبية فلا بد من مواجهتها استناداً إلى الروح الإسلامية وإلا كانت المسألة هروباً من المعركة أو صياغتها على هوانا وليس كما هي حقيقتها وهذا هو الخسران بعينه ، وبالنسبة للكيان الصهيوني ذاته فهو رؤية توراتية دينية عنصرية بالنسبة لليهود ، ولا بد من رد إسلامي ولكن غير عنصري عليها ، وهكذا فإن طبيعة الصراع تحتم الإسلامية .
التحولات النضالية من العلمانية إلى الإسلام كانت أمراً طبيعياً إذن بالنسبة لطبيعة الصراع ، وبالنسبة لطبيعة التحدي الصهيوني ، وبالنسبة للتاريخ والجغرافيا ، وبالنسبة لخصوصية أرض فلسطين ، وبالنسبة لطبيعة التشكيل الإجرائي لجماهير الأمة ، وربما يكون السؤال الصحيح لماذا حدث ذلك في الأربعين سنة الأخيرة ، وتحديداً بعد سقوط المسجد الأقصى في يد اليهود ، والمسألة في رأيي جزء من طبيعة الأشياء التي يجلوها مرور الزمن ، وجزء أيضاً من انكشاف العداء الغربي للإسلام في السنوات الأخيرة ، وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي السابق ، وجزء من أن القوى العلمانية التي تصدرت الساحة يوماً لم تكن تستند إلى عمق جماهيري حقيقي بل كانت الحاضنة الإسلامية لها ضعيفة جداً ، والحاضنة الحقيقية لها كانت قوى دولية فلما سقطت تلك القوى ، كان من الطبيعي أن تسقط القوى المرتبطة بها .
* * *
الإسلامية وحدها بالطبع لا تكفي ، صحيح أنها الشرط الأساسي لاستمرار ونجاح أي حركة ، ولكن بالإضافة إلى ذلك ، يجب أن تأخذ أي حركة بالأسباب العلمية والموضوعية ، وأن تتمسك بمدد الله والتقوى حتى ليقال أنها لم تترك للأسباب شيئاً ، وتتمسك بالأسباب حتى ليقال أنها لم تترك للتقوى شيئاً على حد قول الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه ، وأن تحاول تلك الحركة أن تحشد الأمة كل الأمة في المعركة ، باعتبار أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للأمة الإسلامية ، وألا تتصرف بديلاً عن الجماهير ، وألا تسقط في فخ المعارضات بل تتمسك دائماً بالكفاح الشعبي المسلك طويل المدى وأن تدرك أن الوعد الإلهي بزوال إسرائيل قادم إن شاء الله متى أخذنا بالأسباب وحققنا شروط النصر وكنا الجيل الذي يستحق هذا الشرف .