أنت هنا

المفاوضات مع إيران.. والعقوبات على السودان!!
15 جمادى الأول 1428

صحيح أن الإدارات الأمريكية المتعاقبة تفرض عقوبات اقتصادية على إيران، وصحيح أن هذه الإدارة بالذات سعت لعوملة هذه العقوبات ضد إيران بسبب برنامجها النووي الطموح والمثير للجدل، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لحد الآن لم تجاوز الحد الأدنى من ردات الأفعال المتوقعة لكبح تطلعات نووية وآمال إمبراطورية كهذه من قبل مع الدول المختلفة..
وصحيح أن العلاقات الدولية تتطلب قدراً عالياً من الدبلوماسية والمرونة التفاوضية والبراجماتية السياسية، كلما كان على الدول أن تواجه نظائرها، أو قوى لها ثقل إقليمي أو دولي أو يحقق وجودها توازناً مطلوباً في المنطقة التي تحوطها، غير أن هذا كله لا يبرر هذه المسكنة التي تتعامل بها الولايات المتحدة الأمريكية مع إيران في مقابل تنمرها على دول ضعيفة نسبياً كالسودان، إذ إن الأمر في مجمله لا يعبر فقط عن حسابات سياسية ورؤى استراتيجية ومصالح اقتصادية، وإنما ممزوجاً بذلك كله الأيديولوجية كمحرك أساسي للسياسة الأمريكية تظل العوامل السابقة رهينتها أو حبيسة موروثاتها التاريخية والتراثية النصية.
لم يقف الرئيس الأمريكي أول من أمس ليعلن بكل صلف تشديد عقوبات اقتصادية أمريكية ضد السودان تشمل حظر تعامل الجهاز المالي الأمريكي بكل جبروته مع 30 شركة سودانية بسبب ما يجري في دارفور والذي تنحي الولايات المتحدة الأمريكية المتهم الرئيسي إلى جوار فرنسا في الاضطرابات الحاصلة هناك، باللائمة على الحكومة السودانية، وتتوعدها بعقوبات أممية تسعى إليها الولايات المتحدة لكي تنال في الغرب السوداني انتصاراً فشلت في تحقيقه في العراق أو في الملف النووي الإيراني.
في المجمل يمكننا أن نلمح خيطاً رفيعاً يغاير ما يتبدى من طغيان البراجماتية السياسية والتخوف العسكري والضغط على الخواصر الرخوة دون الرؤوس المتصلبة في التعامل السياسي للولايات المتحدة الأمريكية مع كل من إيران والسودان، برغم أن الأولى تمتلك قوة اعتبارية إلى جانب أوراق كثيرة، فيما لا يملك السودانيون بعد توكلهم على الله سبحانه سوى هتافات في مظاهرات الاحتقان السودانية ضد "الامبريالية الأمريكية"، وبرغم أن لإيران أوراقاً بينما السودان ذاته ورقة في المعادلة الأمريكية والبريطانية والصينية والفرنسية، إذ يبقى أن دافع الولايات المتحدة للسيطرة على السودان وثروته النفطية، والحؤول دون تضخم ثروته الزراعية والحيوانية المهملة بما يهدد المنافسين، ليس محدوداً بخطوط المصالح الاقتصادية والعسكرية وحدها كما هو الحال بالنسبة لإيران التي كانت لوقت قريب تؤدي دوراً وظيفياً استراتيجياً يفيد "الاستعمار" أكثر مما يضره، وإنما الحالة السودانية هي مزيج من السياسة والدين والاقتصاد، وكل منهم تقف الولايات المتحدة أمامه موقف المواجهة.
وإزاء الحالين المختلفتين سنجد اختلافاً كبيراً؛ فمفاوضات ومناورات هنا، وبيادق هناك، وسيظل السودان هو الحدود الجنوبية لمملكة الرب وإيران هي مملكة كورش، والبعد بينهما كبعد عاصمتيهما!!