أنت هنا

السعودية وليبيا.. والأزمة التشادية/السودانية
25 ربيع الثاني 1428

يرى العقيد القذافي أن التدخل السعودي في الأزمة التشادية/السودانية "مضحك" مثلما أوردت وكالة الصحافة الفرنسية قبل ثلاثة أيام، لكن هل لا ينظر إلى التدخل الأممي في الشأنين السوداني والتشادي على أنه مثير للغضب فضلاً عن الضحك؟!
العاطفة الدينية والحمية القومية كلتاهما تحرضان أي مسلم وأي عربي على فعل أي شيء تجاه بلداننا السليبة، أو الممزقة، أو المحتلة بشكل مباشر أو غير مباشر، وأي جهد إذا لم يضف شيئاً فإنه لن يثير ضحكات الأقربين، لأننا في الحقيقة نعيش أزمة، بكل ما تعنيه الكلمة، ومن ملامح هذه الأزمة أن نتراشق الاتهامات بالمصالحة، إذ القوم يعبثون بأموالنا ويخترون على أرضنا ويمرحون!!
وإذا أضاف جهد أم لم يضف فلن يكون حال إخفاقه بأكبر خسارة من الصمت حين تقسم البلاد بين بوش وساركوزي.. ومن هنا كان تسليط الضوء على مشاكلنا أولى من مداولة تصريحات الإدانة.
إننا لسنا هنا بطبيعة الحال لندبج المدائح، وإنما لنطل على أزمة لها امتداداتها الإقليمية والدولية، إذ لم تعد الأزمات معزولة في أسيجة المحلية والخصوصيات الإقليمية، بل أضحت منطقتنا مسرحاً لتبادل أوراق لها في ديار الاحتلال أثمان محددة.
من الجدير القول، إن جمهورية تشاد التي ظلت بعد استقلالها عن فرنسا في العام 1960 رهينة النفوذ الفرنسي الذي يعتبر تشاد البلد الصغير الذي لا يجاوز تعداده ثمانية ملايين نسمة إحدى ضياع فرنسا المتناثرة في بلدان إفريقية عديدة والمتمركزة في تلك البقعة الرئيسية في قلب إفريقيا, وبالتالي فهي ما تزال تحتفظ بنفوذها العسكري والسياسي القوي فيه.
وغني عن البيان أن ثمة حرب يعلو ضوؤها ثم يخفت تناغماً مع موجات متداخلة بين فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية التي تحتفظ كلتاهما بنفوذ قوى بين حركات التمرد في دارفور وتشاد، والحصة المتنازع عليها أو المتعاون بين الإمبراطوريتين السابقة واللاحقة عليها هي النفط الواعد في الغرب السوداني والشرق التشادي، كما اليورانيوم المعدن المحرم على البلدان العربية والإسلامية إنتاجه أو امتلاكه، وآخر موجات هذه الحرب ارتفاعاً كان في الشهر الماضي قبل أسابيع من توقيع اتفاق المصالحة برعاية سعودية، وبعد أسابيع أيضاً من اتفاق لوقف إطلاق النار وقع برعاية ليبيا لم يصمد كما هو معروف.
وفي كل ذلك، يدرك العقيد أن الأمر ليس مجرد "كعكة تصالحية" ربما أرادها خالصة له، لاعتقاده أن ليبيا بحكم مجاورتها للبلدين المتخاصمين أولى من غيرها بمباشرة وساطات بهذا الخصوص، لاسيما في وجود شعور من القذافي بأنه الزعيم الإفريقي الأول، وإنما المسألة تجاوز الإجراءات إلى تفاصيل أكثر قسوة في تاريخ المنطقة، إذ لا ينظر البعض على جانبي الحدود للعقيد على أنه وسيط، بل طرف شارك في دعم حكومة الرئيس التشادي إدريس دبي كما تورط من قبل في حرب خاسرة ضد سلفه حسين حبري أراد من خلالها القذافي أن يستولي على إقليم أوزو التشادي الشمالي الغني باليورانيوم.
السودان أيضاً دعم دبي الذي يتهمه بدعم المتمردين في دارفور، واتهمه مؤخراً بشن عدوان مباشر على السودان الشهر الماضي..
القضية تتجاوز مسألة من يقوم بالوساطة، وإنما من بيده الحل في المنطقة ومن يملك أوراقاً للعب هناك، ومن يملكها للأسف هي الدول الكبرى، وعلى العرب والمسلمين أن يسرعوا بتقديم يد العون لفك هذا التسلط الخارجي وإلا فإن الخطر مدركهم.
وعلى العقيد أن يدرك في هذا الوقت الدقيق أن هذا الخطر ليس من الوجود السعودي أو غيره من الدول العربية والإسلامية، وإنما الخطر في الوجود الفرنسي والأمريكي في المنطقة، فالحاصل أن من هزم جيش العقيد في تشاد هزيمة نكراء من قبل لم يكن الجيش التشادي الضعيف ـ وإلا لكان الأمر مهزلة ـ وإنما الفرقة الفرنسية التي ما زالت فاعلة بقوة في الشرق والعاصمة التشاديين، وكذلك إلى الشرق أكثر حيث العمق السوداني في دارفور الحزينة، التي هي بحاجة إلى ضخ استثمار مالي قوي من هوامش مداخيل النفط العربية سواء الخليجية أو الليبية ينزع فتيل التدخل الغربي السافر فيها، أما ما عدا ذلك فإنه لا يثير الضحك وإنما البكاء الحار.