أنت هنا

ساركوزي.. وفن صناعة الزعيم
20 ربيع الثاني 1428

كما كان الجميع يتوقع، رغم الفارق الصغير في الأصوات بين المرشح الفائز بمقعد الرئاسة الفرنسية نيكولا ساركوزي، والمرشحة الاشتراكية الخاسرة سيجولين روايال؛ فقد فاز ساركوزي بالمنصب الرئاسي خلفاً للرئيس جاك شيراك، ليبدأ عهداً جديداً لفرنسا ربما يتغير معه وجه أوروبا.
ليس لأن الخصم الأساسي كان ضعيفاً، وهو المرشحة روايال التي وقعت في أخطاء عدة أثناء مناظرتها مع ساركوزي، إضافة إلى التصريحات المضطربة فيما يخص السياسة الخارجية المقبلة لفرنسا، ولا لأن الشعب الفرنسي لن يمنح امرأة منصب الرئاسة، وقد ضن عليها بأربع نقاط كانت كفيلة بأن تقلب المعادلة لتضعها كأول امرأة تحكم فرنسا في العهد الجمهوري.
إنما الحقيقة تبقى كامنة دوماً في النظام الديمقراطي ذاته، الذي يسمح بهامش تحرك واسع لتدخلات أساطين المال والأعمال، واللاعبين الخارجيين المصوتين بشكل خفي عبر الحدود، وامتداداً حتى إلى غرب الأطلسي.
ساركوزي كان رئيس فرنسا يوم أن وضع يده في يد شيخ رفيع المستوى ليعلن عن إسلام يناسب فرنسا، وعن حجاب لا يتسق وتقاليدها العلمانية، وساعة وقف مؤيداً لحرية رأي وتعبير مصطنعة، لا قيمة لها إلا حالما تمس أتباع ديننا بنصب وعقاب، حين منح تأييده لـ"حق رسام الكاريكاتير في الإبداع وإبداء الرأي والتعبير ولو لم نتفق حول ما يرسم" من إساءة لنبينا نحن في أزمة الدنمارك الشهيرة، وحال وصف ذوي القربي من مهاجري الضواحي الباريسية ومعظمهم من الشمال الإفريقي المسلم بأنهم "حثالة".
ورغم أن جاي ماري لوبان مرشح الجبهة الوطنية المعروف بتطرفه اليميني هو الآخر يعد أحد العنصريين المتشددين ضد المسلمين والعرب في فرنسا لم يكن عداؤه هذا بطاقة مرور يوماً ما له إلى الإليزيه، إلا أن ذلك كان بسبب عدم واقعية برنامج حزبه على الدوام، وضعف قاعدة الحزب السياسي الذي ينتمي إليه تاريخياً، وهو مع ذلك، قد شغل أكبر من حجمه، فقط بسبب هذا العداء الذي يكنه للعرب والمسلمين، وهو ما منحه 11% في الجولة الأولى للانتخابات الرئاسية، ومنحه من قبل "شرف" خوض غمار الجولة الثانية في انتخابات 2002!!
وكان ساركوزي رئيساً منذ ذلك الوقت أيضاً لأنه يدفع الفرنسي إلى التحول الآلي والذهاب بعيداً عن إنسانيته مع حلم العمل بلا ضرائب على ساعات العمل الإضافية بما يتفق وطبيعة النظرة اليهودية الحاكمة لمجمل تصرفات الزعيم اليهودي القادم بقوة إلى الإليزيه عبر صندوق الانتخاب!
إن ساركوزي قدم إلى الأليزيه، عبر عوامل تضافرت بشكل مقصود حيث مر بأكثر من أزمة شكلت صورته كرجل فرنسا القوي القادم.. أبرزته وسائل الإعلام اليمينية والقريبة من "إسرائيل".. دعمه شارون آنفاً..وبوش لاحقاً شكلته استطلاعات الرأي قبل أن يكون مؤهلاً لنيل هذا العدد من الأصوات، وهو أسلوب تجيده الدوائر الاستطلاعية التي تسهم في تشكيل الرأي العام.. أخمدت الأصوات العاقلة الناقدة له لموقفه العنصري البغيض من المهاجرين وسكان الضواحي الفقراء.. أخرست كل جمعية تدعي الدفاع عن حقوق المرأة في وقت كان ساركوزي يهين المرأة الفرنسية ـ بمفهوم المساواة الفرنسي ـ ويسخر من قدرتها على قيادة فرنسا التي لا يمكن حكمها إلا من خلال "رجل" قوي!!
مهد الطريق له للإليزيه، فسار مطمئناً على درجه، وهو واثق من أنه سيكون ساكنه.. وقد كان!!