أنت هنا

الملف الوحيد الذي يمكن لنجاد أن ينهيه
14 صفر 1428

ملفات كثيرة جاء يحملها الرئيس الإيراني في زيارته القصيرة للرياض، الملف النووي الإيراني وموقف دول الجوار الخليجية منه، والشأن اللبناني، والوضع في العراق، والنشاطات المتزايدة للأقليات الشيعية في الخليج، والاشتباكات بين القوات الحكومية والمتمردين الحوثيين الموالين لإيران في جبال صعدة باليمن.. وغيرها.
وأجواء كثيرة تظلل لقاءه بالقادة السعوديين بدءًا من لقاء إسلام أباد الذي ضم سبعة من الدول الإسلامية (السنية) وانتهاء بمؤتمر القمة العربي نهاية مارس الحالي، ومروراً باتفاق مكة المبرم بين الفصائل الفلسطينية برعاية سعودية.
ولاشك أن الرئيس الإيراني أدرك لاسيما في الآونة الأخيرة أنه ليس مطلق اليد في التحرك كقوة إقليمية منفردة في المنطقة، بخلاف الولايات المتحدة اللاعب الدولي الأبرز في المنطقة، وأن عديداً من الملفات لا يمكن إنجازها إلا عبر التفاهم مع شركاء في المنطقة لهم أوراقهم في المحيط كما لإيران أوراقها.
نجاد يزور عدداً من دول المنطقة من بينها السودان والسعودية ساعياً نحو حرق الوقت والمراحل في طريق انطلاق قطار بلاده للعب دور أكبر وأوسع نطاقاً كثيراً من ذي قبل في ظل غياب العراق كدولة منافسة قوية عسكرياً في المنطقة، وهو يعلم في قرارة نفسه أن إدارة الأزمة الحالية يمكنها أن تعبر بإيران إلى الريادة أو إلى إعادة "أمجاد الإمبراطورية الفارسية" إن جازت التسمية أو الانسحاق تحت وطأة الضغوط المتكاثرة من كل جانب، لذا فهو يبدو حريصاً على الإفادة من كل سبيل ومن طرق كل باب ولو كان غير منسجم مع توجهاته.
روسيا تقف اليوم أكثر من أي وقت مضى متحدية أي عمل أمريكي طائش ضد إيران (وهو مستبعد لدى معظم المراقبين لأسباب أيديلوجية/سياسية)، وفرنسا بعد أيام قلائل من استهداف بعض من مواطنيها في المملكة العربية السعودية، يصرح رئيس وزرائها دومينيك دو فيلبان بأن "أي ضربة عسكرية ضد إيران في النزاع بشأن برنامجها النووي يمكن أن تزعزع استقرار المنطقة."، وبريطانيا ترحب بالحوار مع إيران وشريكها السوري في مؤتمر حول العراق، والولايات المتحدة تدعو إلى عقد مثل هذا الحوار.. وكل هذا يعزز من قبول إيران كلاعب رئيس في المنطقة أو لنقل إلى رغبات دول عديدة في عدم نسف المنطقة بعمل متهور، وهذا بدوره ما قد وصل إلى العقل الاستراتيجي الباطن لدى نجاد وصحبه، وبالتالي فهو قادم إلى السعودية تحدوه بعض الثقة الذاتية.. لكنه مع ذلك يوقن بأنه لن يعدو قدراً أن يكون شريكاً لا شرطياً في المنطقة، فعلى الجانب الآخر، يجد مضيفه مدعواً هو الآخر إلى تقرير مصير العراق مع آخرين، ويدرك أن السوريين قد تلقوا دعوة من نظرائهم السعوديين لحضور مؤتمر القمة العربي الذي يشدد هذه المرة على عروبة سوريا ويسعى لجذبها بعيداً عن الفلك الإيراني، وينظر بقلة ارتياح إلى هذه الدول الفاعلة والمؤثرة والتي تملك بدورها أوراقا عديدة والتي اجتمعت في إسلام أباد لتقول إنها مع الحل السلمي للمسألة النووية الإيرانية، غير أنها تقول مع ذلك لإيران أنها هنا حاضرة على الدوام في المنطقة لم تغب عن أرجائها ولا زواياها الأربعة، وهو يفهم أن حماس ليست غائبة عن مناخها العربي الداعم الرئيسي لها وأن تقاربها مع غيره هو تقارب مؤقت وعارض، وأنها لن تسلم قيادها لأحد في هذا المناخ فضلا عن أن تسلمه للأبعدين، وتشده الوقائع إلى أنه لن يمضي قدماً طويلاً في سبيل بلبنان يكسر الإرادة العربية فيه، ولا أن يحمل حلفاءه على تحدي الدور السعودي ومصالحه في لبنان، وهو قد أدرك ذلك بقوة بعد الإخفاقات التي مني بها حليفه في لبنان/"حزب الله" ليصل إلى حقيقة أن بعضاً من التفاهم والمشاركة خير من التحفز الدائم والممانعة المستمرة.
وهذا البعض قد لا يكون في بقية الملفات متاحاً في تلك اللحظة أو على الأقل غير مأمول منه إلا قدراً من التقدم يحرزه خلال الأيام القليلة القادمة، وإنما الذي من الممكن توقعه الآن هو الخروج من هذا المنعطف الحرج عبر البوابة اللبنانية التي تواجه استحقاقاً دستوريا بالغة الحراجة مع نهاية مارس الحالي، والذي لا يمكن الصبر طويلا على تعطيله..