الذين شاهدوا القيادي الفتحاوي محمد دحلان أثناء مهرجان احتفال حركة فتح بالذكري الـ 42 للإنشاء الحركة والذي أقيم بمدينة رام الله، وهو ينتفض مزمجراً ومحذراً من المساس بقيادات حركة فتح وتوعده لحركة حماس بالرد بالصاع صاعين إذا ما تعرض فتحاوي واحد لاعتداء، لابد أنهم لاحظوا أن حالة الهياج التي انتابت دحلان عند الحديث عن حركة حماس والقوة التنفيذية القريبة منها، والتي دفعته إلى وصف الحركة النضالية الأولى في فلسطين بـ"العصابة"، تعبر عن ضبابية رؤية فريق أوسلو المتنفذ في حركة فتح والذي تمكن فيما يبدو من بسط سيطرته على كثير من قطاعات الحركة وأطرها التنفيذية، وجعلته يتعامى عن الاختراق الصهيوني في عاصمة السلطة الفلسطينية المؤقتة برام الله، والتي حدثت قبل المهرجان بيومين اثنين وتابعتها الفضائيات من دون أن تحس لحرس الرئاسة الفلسطينية التابعة لأبي مازن القريبة من دحلان من أحدٍ أو تسمع لهم ركزاً.
والذين استمعوا لدحلان ربما يصلون معه إلى تصور مفاده أن حركة حماس تمارس إرهاباً ضد فتح وتعمل فيها أسلحة الاغتيال والخطف والابتزاز السياسي الرخيص، والحق أنه في حين كان الرجل المتوشح بقلادة اعتزاز الرئيس الأمريكي به يرغي ويزبد محمولاً على أعناق مجموعة من تابعيه، كان نشطاء حركة حماس يتخطفون من أرضهم في غزة، وتحرق مقارهم ومكاتبهم ومؤسساتهم الخدمية ـ بحسب الناطق باسمها ـ، ويذكر أهل رام الله أنه ساعة أرادت حماس ان تقيم مهرجانها التأسيسي في رام الله قبل شهور سارعت حاشية دحلان وأبي مازن في ممارسة الإرهاب السلطوي لمنعها وهو ما لم تقابله حماس بالمثل.
الذين رأوا دحلان لم يفاجؤوا بخطابه الثوري في غير ما ثورة إلا على الأهل والمستضعفين، فهذا ما مرد الرجل عليه، غير أن المفاجأة كانت في تعاظم شعبية دحلان الذي يمنح رواتب الآلاف من حراسه وميليشيا بلا تأخر، ولا يعوقه حصار أو تقاطعه البنوك.
ليس لدحلان تاريخ نضالي مثلما هو مستقر لدى الغزاويين، لكن لفتح تاريخاً لا ينكر أو بالأحرى، هذه الحركة وجدت دوماً بين صفوفها مناضلين شرفاء دفعوا ضرائب الدم بسخاء من أجل تحرير فلسطين أو هكذا يبغي المناضلون من غير المتنفذين، فأين هم هؤلاء الآن من المشهد الاحتقاني البغيض؟!
إن الجميع قد حبس أنفاسه وقت اقتحام رام الله قبل عدة أيام رجاء ألا يظفر الصهاينة بالقيادي في كتائب شهداء الأقصى، وانتظر الناس أن يظهر متحدث باسم الكتائب متوعداً بالرد أو على الأقل مندداً بالاختراق "الإسرائيلي"، ولم يكن المأمول أن يتبدى ناطق يدافع بحماس منقطع النظير عن دحلان وأبي مازن ويختزل دوره في شجب منتقدي الرجلين من بقية الفصائل التي التأمت كلمتها على ضرورة الإبقاء على تمثيلها المشرف في القوة التنفيذية، وهو ما بات يزعج واشنطن وتل أبيب أكثر خلافاً لشرفاء فتح..
وهؤلاء الشرفاء أضحى صمتهم مقلقاً لمستقبل الحركة التي ظل لها رجع صوت برغم سطوة المتنفذين من مجاهيل الحركة وأقزامها المستعلين ومرتزقة العواصم، وهذا الصوت بدا الآن خافتاً أكثر من أي وقت مضى، وغدا القلق ملازماً لكل فلسطيني على هذه الحركة التي تمر بمرحلة من عدم الاتزان جعل صورتها تتحول إلى العنف الداخلي المتمثل بخطف الصحفيين والنواب والقادة وسفك الدماء وإثارة القلاقل والشغب، بما يسيء ليس للحركة فحسب وإنما لكل فلسطيني ولكل تاريخ كتب بدواة دمٍ قانٍ وعزائم لم تلن.. فهل يدرك العقلاء في فتح حركتهم قبل أن تفقد آخر ما تبقى لها من تقدير بين الأشقاء، وتمحو تاريخها بممحاة أوسلوية وقيادات تشرئب في الفتن وتولي عند الكريهة الأدبار؟!