إذا كان النجف أشرف من مكة المكرمة عند كثير من شيعة إيران والعراق؛ فإن تأدية النسك فيه، وفي كربلاء، آكد وأفضل من غيرهما وفق هذا المنطق، وإذا كانت البراءة من المشركين تؤدى من خلال المظاهرات الصاخبة كشعيرة من شعائر الله لدى الشيعة الإثني عشرية ابتدعها الخوميني واستحسنها من بعده؛ فإن النجف وكربلاء هما أولى بتأدية مناسك المظاهرات لحجيجهما من مكة المكرمة!!
وأي فضل، بل أي شجاعة يرتجيها المتبرئون من تحديهم للمشركين وهم بين أظهر المؤمنين في أكبر تجمع إسلامي يعرفه العالم كل عام؟! أوليست الشجاعة تقتضي أن يهرعوا إلى الثغور ليظهروا عندها غضبهم وحنقهم على الغاصبين المعتدين المحتلين؟! أم تراهم قد خالوا مكة حفظها الله ثغراً من ثغور البلاد الإسلامية، وأخطأهم مشهد الحجيج بملابس الإحرام النقية البيضاء فظنوهم جيشاً يفزعون منه أو إليه؟!
أليس من العار أن يتعامي هؤلاء عن رؤية المحتل يختر على أرضهم المقدسة إلى جوار قبر علي رضي الله عنه أمير المؤمنين، الخليفة الرابع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبر الحسين رضي الله عنه، سيد شباب أهل الجنة، من بين أمريكي وبريطاني، حيث الثغر مباح، ودور الإسلام منهوبة، وأعراض بنيه مستباحة، وحريتهم سليبة، ويتبرؤون منه على بعد آلاف الكيلو مترات؟!
إن الثغر ـ لمن أراد الثغر ـ هناك في بلاد الرافدين لا هنا عند الحرمين..عدمنا أنفسنا إن صارت مكة ثغراً أو عاودتها كَرّة قرامطية أو أحلاماً يهودية، فمكة شرفها الله ستظل بلداً حراماً.. حراماً على الدجل والفوضى والبدع.. حراماً على الإلحاد (الميل) إلى الظلم، وهو الشرك كما قال ابن عباس رضي الله عنه، أو هو الشرك والقتل كما قال عطاء، أو هو المعاصي عموماً سواء أكانت كبائر ـ كما تقدم ـ أم صغائر كما نص على ذلك القرطبي استشهاداً بجمع من الصحابة في تفسير قوله تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ" [الحج:25].
وإذ يقترب الحج حثيثاً، تحدثت دوائر صحفية عربية عديدة ـ من بينها صحيفة الجمهورية المصرية التي نشرت خبراً نقلاً عن مصادرها ـ عن توعد مرشد الثورة الإيرانية على خامنئي بـ"براءة من المشركين أكثر روعة" يجيش لها من عناصر ميليشيات الحكيم والصدر علاوة على الحرس الثوري، لقيادة الحجيج الإيراني إلى مظاهرات البراءة تلك التي تذكر بإلحاد ظلم جرى في أقدس أرض الله قبل 19 عاماً عندما قُتل أربعمائة بسبب تصرفات البراءة الخرقاء عوضاً عن نحر الهدي، حيث يولي فريق من الميليشيات دبره للمشركين وللشيطان الأكبر في أرض العراق ليحتمي بأرض يحرم فيها قتل أرنب ـ كما قال ابن عباس يوماً ـ ليعلن براءته من المشركين.. أو هكذا يريد أن يوحي!!