من استمع الليلة إلى رئيس الوزراء الفلسطيني إسماعيل هنية، يدرك الفارق الحقيقي بين الصدق والمماحلة، والمبادئ والانتهازية، حين يعاين أمامه الحرص على فلسطين متجسداً في شخص رجل، تربى على يد شيخ المجاهدين الفلسطينيين أحمد ياسين عليه رحمة الله ورضوانه.
وهل من خطاب يدمي القلب ويرفع الهمة ويلم الشمل ويئد الفتنة وينصر الضعفاء وينكر الذات ويفضح النفاق كمثل هذا الخطاب الذي سمعه الناس بقلوبهم قبل آذانهم، فكان كالجسر يصل ما بين القلوب الفلسطينية وتهفو إليه أسماع المسلمين الذين يذوبون حرقة كلما رأوا أعداء هذا الشعب الفلسطيني المناضل الكريم ينجحون في مساعيهم لزرع الفتنة بين قواه وإطاحة هذه الحكومة الفلسطينية المباركة.
هاكم منصتان نصبتا، إحداهما للرحمة والأخرى للتآمر، واحدة أطل منها الوجه الوضيء والأخرى اشرأب منها النفاق، تنطلق من الأولى مفردات المنطق وعبارات الحق وصراحة العدل وكواشف الشفافية، ومن الأخرى تنبجس صيحات الغدر وفحيح المؤامرات وعناوين الدسائس وأمارات الفساد ولجج الباطل.
كان الشعب الفلسطيني يستمع هذه الليلة إلى خطاب رئيس الوزراء الفلسطيني، يتحدث بمرارة عن منع المتآمرين وحلفائهم له ولمرافقيه عن جلب الأموال إلى الأهل المحاصرين في الداخل وكيف تكاملت أدوار الداخل من عصابة أوسلو وأيتامها مع رغبات وجهود الصهاينة والأمريكيين في تجويع الشعب الفلسطيني ليكفر بحماس وليعترف بـ"خطيئة التصويت لها في الانتخابات"، وليرغم الشعب على غمس لقيماته بسم الاعتراف بالكيان الغاصب الزعاف، وكان يتحدث عن الدية التي لم يسمع بها أولئك الوالغين دوماً في الدم المسلم الحرام ممن لا يعرفون إلى أرقام حساباتهم التي يتدفق إليها المال كلما ضرجوا شهيداً بطلاً بدمائه بأيديهم النجسة التي لم ترفع يوماً سلاحاً إلا على أبناء أمتها ولم تشهره إلا في وجه المناضلين الأطهار، وعند الكريهة هم غائبون في الجحور كالجرذان.
فاجئ هنية الشعب الفلسطيني بحديث عجيب لم يسمع العرب بمثله عن أرشيف وزارة المالية المتاح لكل مواطن فضلاً عن نواب الشعب أو الوزراء وقادة المعارضة وغيرهم، وهم لم يألفوا إلا سارقين لشعوبهم ناهبين لثرواتهم ممن يعدون الأمانة مغنماً.
ورئيس الوزراء حين قال إنه سيجلس ويجلس كما شعبه يجلس في أي مكان ولو كان بالأرض وفي الطرقات لم يكن يردد حديثاً غريباً عما رآه العالم عياناً أمام ناظريه على شاشات التلفزة.. إنها في الحقيقة العظمة حينما تتجسد في شخص لا تزينه إلا مبادئ سامقة روتها سلوكيات فريدة قل أن تتكرر لا في عالم العرب المعاصر ولا في غيره، حيث التواضع شيمة لا يغريها المنصب ولا يهزها حفاوة استقبال الزعماء له في القصور خلال جولته الخارجية.
وهل تراكم رأيتم في زماننا هذا رئيس حكومة في دولة مسلمة يخطب في الناس فيبكيهم فتنساب الكلمات عفوية من أفواه مستمعيه: اللهم انصر رئيس وزراء فلسطين، اللهم امكر له ولا تمكر عليه، اللهم ثبته وإخوانه على طريق المقاومة الراشدة، ورد كيد أعدائه في نحورهم وأعذه اللهم من شرورهم ومكائدهم ودسائسهم..