أنت هنا

النَّقِيقُ ( نظرة في الحملة على أهل العلم عبر الصحافة )
17 شعبان 1427

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
النقيق هو صوت الضفدع وصياحه، والضفدع ليس له أهمية إلا في إجراء الأبحاث الطبية والعلمية فهو حقل للتجارب، ومناخ جيد للتطبيقات العلمية والمكتشفات الجديدة في الدواء وغيره.
الكتابات الصحفية المتتابعة منذ فترة ليست بالوجيزة على كثير من ثوابت الأمة ومحكماتها، في الولاء والبراء، والجهاد، وتحكيم الشريعة، وأحكام الردة، والحجاب، والاختلاط، والرباء، والقضاء، والحركات الإصلاحية كدعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، وغير ذلك كلها تنطلق من وراء أجندة معينة تريد الوصول إلى هدف مرتب فالسعي للحط من محكم الشريعة وعلمائها ونزع المكانة من القلوب هو انقلاب على الشريعة بألفاظ منمقة تظهر في ظاهرها الرحمة والشفقة على هذه الأمة وحب الخير لها، فأصبحت الشريعة أرضاً مستباحة لكل من شاء أن يخوض فيها ويكتب حولها دون أن تدركه عين الرقيب البشري أو تنال منه ، وهكذا حينما يكتب من لا يحسن فيما لا يعرف تحل المصائب العلمية ويضحك من ضحالة الأسطر كل من يحسن القراءة حيث التخبط العلمي وتحريف الآيات وعزوها لغير سورها ناهيك عن الخوض في الأحاديث النبوة بمالم يسبق إليه من قبل تشويهاً وتحريفاً، استمرت الحملة الصحفية على الشريعة ولكن لم تثمر شيئاً لأن كتابها لايعقلون قول الله (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9) وقوله (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ )(الصف: من الآية8) ، فتشتت رميهم وتكسرت نصالهم، فعاودوا الكرة ولكن بصورة أخرى هجوماً على أعلام الأمة وأئمتها فأخذ شيخ الإسلام حقه ثم إمام الدعوة، فجملة من العلماء والدعاة المعاصرين نالهم من النقيق ما نالهم فأخذت الصحف زمناً في الكتابة عن الشيخ / سفر ثم الشيخ / سلمان ثم الشيخ/ ناصر العمر ثم وسعت الحلقة فنالوا من الشيخ / سعد البريك ولما رأوا أن كتابتهم بالنسبة لأولئك الأعلام كطنين الذباب تجرؤوا على من هو أكبر من السابقين في العلم والفضل وهو يمثل رمز الإفتاء في العالم الإسلامي الشيخ العلامة / صالح الفوزان بكتابات أجزم أن واضعها يخجل حيث قراءته لها إن كان لديه ضمير حي فاستمرت حملتهم دون أثر إلا على أنفسهم فلما رأوا ذلك أخذوا يقررون أن لحوم العلماء غير مسمومة وأنها عرضة للنهش ولا تضر ناهشها شيء ونسوا أو تناسوا ماهم فيه من الهم والغم والنكد والعيش المر كل ذلك أثر من آثار كتاباتهم بينما أهل العلم والفضل محبتهم في ازدياد وقبول الناس عليهم أكثر وأكثر وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.
أيها القاريء الكريم بعد ماسبق لي أن أقف معك الوقفات التالية :
أن الهجوم على الشريعة سواء كان على ثوابتها ومحكمها أو على أعلامها الهدف منه هو إقصاء الشريعة عن الحياة وأن تكون الحياة غير محكومة بحاكم الشريعة وأن تستبدل بشريعة الأهواء والشهوات لينقلب الناس في حمأة الحياة الحيوانية فما استقامت البشرية إلا على هدي خير البرية وهديه ظاهر وسمته مشهور لايخفيه منخلهم ولا تحجب ضوءه أيديهم وصدق الله (لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ) (الرعد:14) .
الهجمة على أعلام الشريعة هو تحطيم لها وانظر إلى موقف الرافضة من أبي هريرة – رضي الله عنه – وعدائهم له لأنه حافظ الأمة وكذلك المستشرقين حاولوا الطعن فيه، ومن بعده الإمام البخاري رحمه الله وماذاك إلا أنهم حفاظ الأمة فإذا سقط حفاظها سقطت شريعتنا فإذا نالوا من أعلامنا وشوهوا صورتهم بالباطل سقط قبولهم عند الناس فتحول الناس إلى الجهل والعمل بلا بصيرة كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (( حتى إذا لم يبق عالماً اتخذ الناس رؤساء جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)) .
كل من يحاول الانقلاب على الشريعة لابد أن يحدث في مجتمعها شيئاً من الفوضى قبل انقلابه وهذه الفوضى لايمكن أن تكون مصحوبة بشغب وعنف حسي بل تكون كما يسمونها فوضى خلاقة وهي عبثية فكرية تتوزع الأدوار فيها لإحداث ضجيج حول الثوابت التي يراد زعزعتها وتغييرها ونشر الكتابات والندوات والمؤتمرات الشعبية في حملة تشكيكية قوية كل هذا يؤدي إلى فوضى ولكنها سلمية لا اصطدام فيها ولا عنف إلا أن آثارها أشد فتكاً وأعظم أثراً نرى صورها في بقاع شتى من العالم والعاقل الحذر على ثوابته يحذر مثل هذه الفوضى ولا يقاربها ويكون ذكياً بحيث يقرأ ما تحت سطرها ليرى حمرة الدم من أسفلها ويستصحب في ذلك كله اليقين الثابت الجازم بماهو عليه من الحق ويردد دوماً قول الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لما حاول الملأ أن يثيروا حولهم شيئاً من الفوضى فكانوا عليهم الصلاة والسلام يتمسكون بثوابتهم (قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ، قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ، وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ) (ابراهيم:10 - 12) .
نصرة الحق شرف لكل موحد يستجيب لربه وينيب إليه ويتمسك بالحق الذي هدي له فلا يحيد ولا يتغير بل يثبت على ماوفق له من الخير فإن الحياة لابد فيها من محن وأعظمها الشبهات التي توجه إلى الحق الذي هديت له فلا غرابة بعد ذلك أن تتذكر أن النبي – صلى الله عليه وسلم – كان يكثر أن يقول يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وماذاك والله أعلم إلا لكثرة الفتن التي يتعرض لها العبد فلا سبيل للنجاة إلا بالتمسك بحبل الله المتين (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الزخرف:43) .
لماذا لحوم العلماء مسمومة ؟
لأن الله تعالى أعلى شأنهم ورفع قدرهم لا لذواتهم وإنما للعلم الذي شرفهم الله بحمله واتصفوا به وتبليغهم إياه للناس كما قال الله ( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ)(الزمر: من الآية9) ولمزيد شرفهم قال الله (إنمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ )(فاطر: من الآية28) وقال سبحانه ( يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)(المجادلة: من الآية11) ولمعرفة مزيد شرفهم تأمل قول الرسول – صلى الله عليه وسلم –(( فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب ليلة البدر العلماء هم ورثة الأنبياء إن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظ وافر)) . وللمزيد راجع رسالة الشيخ/ناصر العمر (لحوم العلماء مسمومة) .
لابد أن تعرف آثار التعرض للعلماء وأن عواقبه وخيمة وضارة على فاعلها وعلى الأمة فمن ذلك:
1 . أن جرح العالم سبب في رد ما يقوله من الحق.
2 . أن جرح العالم جرح للعلم الذي معه وقد سبق الإشارة لذلك فيما سبق من آثار الهجمة على أبي هريرة – رضي الله عنه – والبخاري – رحمه الله –.
3 . عزل الأمة عن علمائها وإقصاء الناس عنهم.
4 . التمكين لإنفاذ مخططات الأعداء في الأمة.
تذكر دوماً أن الأمة لاتقوم إلا على كتاب يهدي وسيف ينصر، تحقيقاً لقول الرسول – صلى الله عليه وسلم – ((بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له وجعل رزقي تحت ظل رمحي وجعل الذلة والصغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم)) أخرجه أحمد وغيره، ومتى ما ضلت الأمة عن الكتاب الذي يهدي الممثل في رسم العلماء تسلط عليها السيف بلا بصيرة وكان ذلك بما كسبت يدها في تحطيم أعلامها وعزل نورهم من الناس.
الرحمة والشفقة متوجهة لأولئك الصغار الذي ينالون من الكبار فأنت حينما ترى صغيراً ينتقص كبيراً فإما أن تتهم تربيته أو عقله وكلاهما مر لكن الأنكى أن يكون ذلك الانتقاص منه للكبير بسبب آخر خفي وأجندة مشبوهة وأفكار ملوثة، فعندها تعلم علم اليقين أنه لابد للأمة من هبة سريعة في الرد عليه وإزهاق باطله.
هذه البلاد الطاهرة شرفها الله تميزت بميزات عن غيرها اعتبرها أهل العلم هي من سنة الله الشرعية في اصطفائه واختياره ماشاء وتفضيله لما شاء، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والواجب المحافظة على هذه الميزات التي من أعظمها أنها دار التوحيد وقبلة المسلمين وحبيبة المؤمنين وعدوة الباطل وأهله مهما كان لونه أو جنسه، وكما أن الواجب هو حماية أمنها والمحافظة على وحدتها وتطهير صفها فكذلك الحماية لميزاتها الشريعة وعدم التفريط فيها والتي من أعظمه أنها لاتبغي غير الإسلام ديناً وفكراً ومنهجاً وحكماً ومن نازعها في شيء من ذلك فإن مآله الخسران.
قال الشيخ بكر أبو زيد في خصائص جزيرة العرب ص 84 : (( وعليه إذا كانت الجزيرة وبخاصة قلبها تثير حساسية المسلمين عند أي هجمة شرسة عليها من استيلاء استعماري أو فرض منهج عقدي أو سلوكي علني فإن الأعداء والمبطنين لها سلكوا مسلك الوأد الخفي لعصب الحياة في العالم الإسلامي على أرض الجزيرة صافيا على منهاج النبوة وذلك بتسرب موجات الغزو تحت شعار الحضارة وقناع العلم وتكثيف اجتماعات ولقاءات تكسر حاجز النفرة من الأهواء المضلة وتذوب صفا الحياة وتكدر صفوها وتقودها إلى تراقي الاحتضار، وعليه فيجب أن يحسب لها كل حساب فليرفض كل سابلة تؤدي إلى هذا المضمار، ومن ألأم هذه المسالك ما يعود به عدد من المبتعثين من شباب هذه الأمة إلى ديار الكفر إذ يعودون وهم يحملون تحللاً عقدياً رهيباً، منضوين تحت لواء حزبي مارق، وفي لحظات يُمسكون بأعمال قيادية عن طريقها ينفذون مخططاتهم، ويدعو بعضهم بعضاً فيتداعون على صالحي الأمة وعلى صالح أعمالها وهذا أضر داء استشرى في هذه الجزيرة فهل من متيقظ وهل من مستبصر؟) انتهى كلامه حفظه الله ورعاه.
الحكمة والبصيرة من أهم الشروط الواجب توفرها فيمن يعمل لهذا الدين وكل عامل لدينه فهو على ثغر من ثغور الدين فالله الله أن يؤتى الدين من قبله وكيف يؤتى الدين من قبلك إما بعمل بلا علم يحمل تبعته الدين أو استعجال يؤدي إلى نكوص أو تولي فالأول بمخالفة البصيرة والثاني بمخالفة الحكمة فاحذر كل الحذر وكن دوماًٍ متفائلاً بنصرة هذا الدين ولا تيأس فإنه لاييأس من روح الله إلا القوم الكافرون وكن على يقين أن أنوار الشريعة لن تستطيع العيش معها خفافيش الظلام.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى واجعلنا هداة مهتدين ، وآخر دعواي أن الحمدلله رب العالمين .