أنت هنا

إلا إذا احتلت إيران العراق..
28 رجب 1427

"قال لي صديق: هل تعتقد سيأتي يوم نتحاسب فيه على ما قمنا به من عمليات عسكرية؟ قلت له: لن يحدث إلا في مرة واحدة, إذا احتلت إيران العراق.." [صابر الدوري مدير الاستخبارات العسكرية العراقية السابق في إفادته بشأن محاكمة "الأنفال" صباح اليوم].
قذيفة الدوري أطلقها لتعبر إلى حيث أراد، خارج ردهة المحكمة الضيقة، ليثير بها شجوناً لدى المشاهد المسلم العربي، ومشاعر تمزج الحسرة بالألم، والندم بالعجز أن تُرِك العراق حتى غدا مغنماً لكل محتل من هذا البلد أو ذاك.
كانت الرسالة التي أراد أن يوصلها الدوري للعالم أن ليست الولايات المتحدة وأذنابها الغربية فقط هي من تحتل العراق، لكن إيران أيضاً هي كذلك دولة احتلال اعتبارية كبيرة للعراق، فقوات بدر إحدى أذرع الحرس الثوري الإيراني والتي تشكلت أساساً منه وينخرط في صفوفها كثير من الضباط الإيرانيين والاختصاصيين في مجالات حرب العصابات والاغتيالات الممنهجة يحق العلماء والأكاديميين والمشايخ والطيارين وغيرهم هي الجهة العسكرية الوحيدة التي سمح لها بالعبور إلى الداخل العراقي في الأيام الأولى من الاحتلال الأمريكي للعراق، بتنسيق كامل معه، وهذه القوات التابعة للحرس الثوري الإيراني والمغطاة سياسياً بـ"المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" بقيادة عبد العزيز الحكيم هي من أحكمت سيطرتها على معظم مفاصل الحكم العراقية إثر الاحتلال الأمريكي للعراق لتكون بمثابة شرطي الداخل تاركة الهيمنة الكاملة على العراق لقوى الاحتلال الغربية، فيما تتمدد الثقافة الإيرانية شيئاً فشيئاً على ربوع العراق بواسطة الأحزاب الطائفية.
وهل يغفل الدوري وغيره أنه في وقت كانت الولايات المتحدة الأمريكية ذاتها تحث الدول الدائنة للعراق على شطب ديونه كان رئيس "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" عبد العزيز الحكيم يطالب العراق بسداد 100 مليار دولار تعويضاً لإيران عن الحرب التي دارت بين البلدين بعد تحرشات إيرانية بالعراق.
وأول من أمس كانت سلسلة بشرية تمتد من إيران وحتى ضريح موسى الكاظم أحد أئمة الطائفة الاثني عشرية للاحتفال بذكرى وفاته، في منظومة احتفالية لا تنتهي تجعل الحدود الإيرانية العراقية معبراً آمنا لرجال الاستخبارات الإيرانية الذين يعدون بعشرات الآلاف بحسب مصادر مستقلة في العراق.
الحقيقة التي كادت تصبح مسلمة لدى الجميع الآن في المنطقة والتي سبق الدوري إليها غير زعيم ومسؤول عربي رأى أحدهم أن "الولايات المتحدة الأمريكية احتلت العراق لتسلمه بعد ذلك للإيرانيين".
"إلا إذا احتلت إيران العراق"، وقد كانت تلك حقيقة جعلت المحاكمة تنأى بنفسها عن توجيه أي اتهام للإيرانيين برغم كون التقارير الغربية ذاتها تفيد بأن السلاح الكيماوي المستخدم في فظائع قرية حلبجة الكردية كانت إيران تملكه من دون العراق، لكن الإيرانيين الحاضرين بكثافة في "المحكمة العراقية" سواء في هيئة الادعاء أو في غيرها لن يرضون بأن يكونوا خصماً وحكماً في المحكمة نفسها..