أنت هنا

الخديعة الكبرى وأحداث لبنان
26 رجب 1427

بعد أن سكتت المدافع والصواريخ وتوقف هدير الطائرات على الأراضي اللبنانية ، لا بد أن نقف وقفة هادئة لنتدبر هذه الظاهرة العجيبة عند العرب والمسلمين، هذه الظاهرة التي تتكرر منذ بداية القرن الماضي حيث العواطف الفائرة والسذاجة السياسية إلى حد الغباء ، والإنخداع بالأعداء في الداخل والخارج ،وتتكرر الأخطاء دون أن نتعلم من ماضينا أو حتى دون أن نتذكره .

لماذا لا نقرأ التاريخ قراءة متبصرة متعقلة ، بل قبل هذا لماذا لا ينظر المسلمون إلى هذا الحشد الكبير من الآيات القرآنية التي تتحدث عن اليهود و المنافقين ومؤامراتهم ودسائسهم وأساليبهم في التحريض على هذا الدين . قال تعالى : " يا أيها الذين امنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين "
" يا أيها الذين امنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ، ودوا ما عنتم ، قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر ..."
"ها أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم ، و تؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا ، وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ .."

هل هذه الآيات تخاطب الجيل الأول فقط ، وتتحدث عن جيل من اليهود والمنافقين مضى ، أم أنها تحذير للمسلمين في كل زمان ومكان ، ومن الملاحظ أن هذه الكيد والمكر من اليهود والمنافقين لم يكن بسبب إساءة من المسلمين لهم بل هو شر انطوت عليه نفسياتهم ونفسيات الزنادقة والباطنيين في كل زمان.

عندما لا يقوم المسلمون بهذه القراءة المتدبرة سيقعون في أخطاء قاتلة وأوهام كبيرة ، وسيتحقق فيهم قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب ، ذلك العبقري الذي لم يفر أحد فريه عندما قال :" ينقض الاسلام عروة عروة من نشأ في الاسلام ولم يعرف الجاهلية " أي لم يعرف مكائد أعداء الإسلام ولم يطلع على خبيئة صدورهم .

عشر سنوات متواليات في المدينة يتنزل القران بالحديث عن يهود وعن المنافقين والأعراب حلفاء يهود ، يكشف عن سرائرهم ، عشر سنوات نقرأ تاريخها في السيرة النبوية ، فلا تمضي صفحة إلا وفيها ذكر لليهود والمنافقين يؤلبون على رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وتستمر فتن اليهود والباطنية المتحالفين معهم ، منذ عبد الله بن سبأ إلى ثورة بابك الخرمي حين ذهبت ميزانية الدولة العباسية كلها في عهد الخليفة الثالث محمد بن عبد الله للقضاء على هذه الثورة الباطنية الفارسية ، ثم القرامطة ’ثم الدولة الصفوية،ثم الخمينية التي رفعت شعار تصدير الثورة ، أي تصدير المذهب ، وينخدع بهذه الثورة أناس من الحركات الإسلامية ، بل من رؤسائها . ويتراجع بعضهم في آخر حياته رحمهم الله .

يقول الشيخ محمود محمد شاكر معلقا على انخداع الناس بثورة الضباط في مصر عام 1952 : " حركت الأحداث المتتابعة نواعس الآمال فهبت تمسح من عيونها النوم المتقادم ، ثم حملقت في أكداس الظلام ، فأوهمتها اليقظة أن الظلام من حولها يومض من بعيد ، فصاحت: وافرحتاه ، وصرخت أنا في محبسي(1): واحسرتاه أعمى رأى الظلام نهارا ، ومن حيث أتلفت أرى وجوها تكذب ووجوها مكذوبا عليها ، وأقرأ كلاما غمس في النفاق ...." ويتابع الشيخ شاكر وكأنه يرى ما نحن فيه الآن " إن هذا كله إعداد للمجزرة الكبرى حيث تذبح الآلاف بمدى من معدن القلوب المضطغنة بالعصبية "(2) .

من أين جاءت هذه الغفلة وهذه السطحية في النظر للأحداث ، وإلى حد محبة أعدائنا ، كما ذكر القران الكريم ويتكرر هذه الانخداع مرات ومرات مما يدعو إلى التعجب وإلى الاستنكار ، ولعله من المفيد أن نتذكر بعض الأسباب التي تدعو إلى ذلك.

1- عدم الربط بين الدين والسياسة أو بين العقيدة وتفسير الحدث السياسي ، وقد صرح بعض الكتاب الصحفيين بذلك ويقولون : لا تربطوا بين العقيدة والسياسة ، فإيران مثلا لها مصالح سياسية أو اقتصادية وليس لها هدف مذهبي يقولون هذه مع أن هدف ايران المذهبي واضح جدا في تأييد جماعات بعينها في العراق. وجماعات بعينها في لبنان، ونشرها لمشروعها القبوري في كال مكان تستطيع عليه من إيجاد ما تسميه (المقامات) والتي تنفق عليه الملايين ومئات الملايين.(3)

وهل كل هذا الكيد الباطني في التاريخ كان لأهداف اقتصادية أم هو الحسد والحقد، وقولهم بفصل العقيدة عن السياسة في تفسير الأحداث أو بعض الأحداث مناقض للقرآن الذي يتحدث عن العقائد الفاسدة وأثرها في تدمير الإنسان ، ومناقض للسنة عندما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أخرجوا اليهود من الحجاز ) فهل كان هذا لسبب اقتصادي ، أم لخطورة هذا الصنف من البشر على المسلمين في المستقبل .

2- عدم قراءة التاريخ ، أو قراءة التاريخ بلا تدبر واعتبار او يقولون : الماضي غير الحاضر ولماذا تريد إرجاعنا الى الوراء. وهذا إنما يدل على رأى فطير وعلى غفلة ،فالقرآن الكريم إنما ذكر قصص الماضين لتظل منارة تهتدي بها الأجيال في كل عصر، وكبار المؤرخين من مسلمين وغير مسلمين متفقون على أن فهم الحاضر يعتمد على قراءة الماضي ، نعم الحوادث لا تتشابه كلية ولكن الماضي يعطي الضوء لتحليل الحدث الحاضر، ونتمنى لو يقرأ هؤلاء تاريخ الشعوبية في العصر العباسي الأول ودستور الخميني الفارسي في العصر الحديث .

3- تحكيم العواطف الفائرة ، وقلة استعمال العقل في التحليل والتركيب ، والمقارنة بين الحوادث ومعرفة العلل والأسباب ، ومن يقف وراء الأحداث. لماذا لا يربطون بين ما يجري في العراق وأفغانستان وما جرى في لبنان ؟ ولماذا لم يسألوا: لماذا هذا التوقيت؟ وبسبب هذه العواطف لم يستوعب العقل المغيب الذي تعود على تبسيط الأمور، لم يستوعب المخطط الصفوي وأنه من الممكن أن يضحي بأفراد منه وان يدمر بلدا بأكمله ويفتعل معركة مع العدو الصهيوني في سبيل مشروعه . وهاهي الجماهير المغفلة ترفع الرايات وتركض وراء السراب ، ووسائل الإعلام تضخم هذا السراب وتكبر الكذبة يوما بعد يوم .
4- كان من حق العلم على بعض العلماء والمشايخ أن لايخوضوا في الفتنة ، بل يبينوا للناس الحق والحقائق ويزيلوا هذا الالتباس بين مقاتلة يهود والمشروع الصفوي .

وأخيرا هناك أسئلة تحتاج إلى جواب :
• لماذا هذا الحقد على رئيس الحكومة اللبنانية المعروف بنزاهته ووطنيته وقد عمل جاهدا لخروج لبنان من هذا المأزق .

• لماذا هذه الإزدواجية بين القبول (ظاهريا) بالنقاط السبع التي اقرتها الحكومة وبين اللقاءات الجانبية مع الحزب القومي السوري وحزب البعث وتجمعات صغيرة محسوبة على النظام السوري والتي تصر على بقاء السلاح بيد الحزب حتى بعد انسحاب إسرائيل وتحرير مزارع شبعا .


• في البيان التأسيسي لحزب الله عام 1985 قال : " يلتزم الحزب بقيادة حكيمة تتجسد في ولاية الفقيه وفي آية الله الخميني مفجر ثورة المسلمين " ؟ !! فهل هناك شك في ان الحزب هو ذراع طويلة لايران . ولذلك نقول للذين على أعينهم غشاوة أو الذين يظنون أن الإعتدال مع هؤلاء يخفف من غلواء ضغينتهم وتعصبهم نقول لهم كما قال الشاعر:
لا تأمنوا قوما يشب صبيهم بين القوابل بالعداوة يُنشعُ
إن الذين ترونهم إخوانكم يشفي غليل صدورهم أن تصرعوا


-----

1-المحبس الذي ارتضا ه لنفسه في منزله وتركه للكتابة
2-جمهرة مقالات محمود محمد شاكر 1/584
3-من الملاحظ ان حزب الله الذي يسمي نفسه مقاومة اسلامية لا يوجد في صفوفه فرد واحد من اهل السنة