أنت هنا

نداء مجزرة "القاع" اللبنانية لا تسمعه "القمة" العربية
12 رجب 1427

لا نريد أن نصيب أحداً بملل الحديث عن القمة العربية، وإخفاقها المزمن، في نتائجها أو في مقرراتها أو في انعقادها، فلقد مر على العرب زمان كانت قممهم تصدر عن قرارات عنترية لا تنفذ، ثم انعطفت إلى القرارات "الواقعية" التي لا تنفذ أيضاً، إلى أن انتهت بمرحلة الإخفاق في مجرد تحقيق النصاب اللازم لانعقادها..
ومثل هذا الكلام لا يقدم فتيلاً ولا يمنح قطميراً، وشأنه كشأن الحديث عن "الشرعية الدولية" والقانون الدولي والتمسك بهما، وغالب الظن أن هذا الحديث هو لتسويد صفحات فارغة في صحف لا تجد ما يملؤها إلا بهراء عن قمم هي دون القاع في معايير التأثير أو الأخلاق..
وعلى النقيض من الظاهر، فإن القمة العربية كلما انزوت عن مسرح الحدث كلما تجدد الأمل في بديل آخر لها ناضج يرتكن على فشلها وفشل ما كان يسمى بالنظام العربي في إيجاد أرضية حاشدة لهذه الجموع من الجماهير من الخليج إلى الخليج، ووصول هذا النظام إلى حافة المنحدر في تعاطيه مع العدوان الصهيوني الغاشم، واعتراف أمين عام جامعة الدول العربية بموت العملية السلمية بين العرب و"إسرائيل" التي تبنتها القمم العربية المتلاحقة كـ"خيار استراتيجي" لها لا ترضى عنه بديلاً، وإحالة الملف العربي الصهيوني كله إلى مجلس الأمن ـ برغم اتضاح تواطؤ هذا المجلس مع العدو الصهيوني ـ، بما يمثله كل هذا من تأكيد على سقوط النظام العربي الرسمي، والتبشير بمرحلة صراعية أكثر وضوحاً وتكشفاً لا تسترها ضبابية التصريحات والمواقف العربية.
وقد مرت بالعرب أحداث انقسمت فيها آراؤهم حولها، لكنها لم تكن معبرة بهذه الفجاجة عن غياب الإرادة العربية، وظلت حتى القومية العربية المتظللة بالجامعة العربية تمثل شيئاً لبعض الدول العربية، غير أنها قد فارقت هذه المظلة تماماً، وانقسمت هذه المرة على غير قاعدة عروبية، فانشطرت وقد ذهب هواها الآن إلى الروم أو فارس، فالتحفت الأولي بالواقعية والبراجماتية، والثانية بالمقاومة غير العربية. وغدت بعض المشاهد مغرقة في غرابتها، إذ صارت "القومية العربية" لدى أكثر الدول تمسكاً بها مطية لطموحات فارس، أما غير القوميين فقد فارقوا المعادلة تماماً.
وقعت من قريب مجرزة بلدة "القاع" اللبنانية والتي قضى فيها نحو 30 ضحية عربية، دماء سورية روت أرضاً لبنانية.. مادة كانت جديرة بالحديث عنها رسمياً وإعلامياً من منطلق عروبي ـ وإن كان فيها بعض الأكراد ـ بحت لكنه لم يحدث مطلقاً لا في الإدانة الرسمية ولا في الفعل الإعلامي، من أجل إحياء ما كانوا يكررون الحديث عنه عن القومية العربية.. الآن ماتت هذه كما ماتت العملية السلمية، فما بقي لنا من بعد؟ أليس الإسلام الذي لم تفترق الأمة إلا يوم نحته عن قيادة شؤونها وسياستها واقتصادها؟ أليس هو الجامع الذي صدقت الأحداث من بعد الأدلة الشرعية أنه هو وحده القادر على لملمة الجراح والعودة بالأمة إلى مربع العزة والكرامة؟ إن التضامن الإسلامي ورفع لوائه الآن هو الضامن لأن تسمو به الأمة الإسلامية وتصبح مرهوبة من أعدائها متى اعتمدت منهجها الإسلامي المقاوم للتبعية والذل والانقياد للدول الكبرى أياً كانت بإمبراطورياتها الآفلة والمستولدة.. هذا المنهج التي يصله نداء القاع وقانا والأوزاعي وغيرهم فيكون له فعل تأثيري في جبهة المقاومة لها.. شريطة أن تكون هذه نقية تلتقي ومصالح الأمة وتظللها عقيدتها الصحيحة.