أنت هنا

"الوعد الصادق": صفحة من أجندة إيرانية
18 جمادى الثانية 1427

ربما تعلو الحيرة وجوه أناس ينازعهم خطابان متباينان عن حزب الله اللبناني, كلما بادرتهم الأحداث بما يناقض ما انعقدت عليه أفئدتهم.. فثمة خطاب يرى الشيعة (الروافض) حلفاء تقليديين للاحتلال مهما اتخذ من مواقف حيالهم أنفسهم, ويحاول أن يؤول كل حدث يبدو فيه المعسكر الشيعي في خصام مع الدول غير المسلمة كالولايات المتحدة الأمريكية وما يسمى بدولة إسرائيل على أنه "مسرحية" دولية غرضها تنفيذ أجندة مشتركة أو تقاسم الكعكة السنية, أما الخطاب الآخر فيرى في حزب الله أيقونة مقاومة "إسلامية" أو حتى وطنية.
وكلا الخطابين يجد معتقده نفسه متحرجاً إذا ما ساقته الأحداث إلى غير ما تفرضه عليه معتقداته السياسية.
والواقع أن عالم السياسية ليس مسرحاً للعرائس, وليس في آن ساحة صدق تخلو من التمثيل على الدوام, وإذا ما اقتربنا أكثر من هذا التعميم للحالة اللبنانية التي تشهد صراعاً على أرضه بين "إسرائيل" وحزب الله, لكان بوسعنا أن نختزل المشهد في مظاهرة قريبة جرت في لبنان لهذا الحزب سب فيها بعض أفراده الصحابة _رضوان الله عليهم_, ثم بعد أيام نفذ جناحه العسكري عملية نوعية وبارعة استطاع فيها أن يقتل عدداً من الجنود "الإسرائيليين" ويأسر اثنين منهم ينتميان للطائفة الدرزية.
هذا المشهد يختزل في حقيقته التصور الذي ينبغي أن يؤخذ عن هذا الحزب وهو أنه في الحقيقة حزب شيعي هو بالفعل في تلك اللحظة يناوش "إسرائيل" لكن وفق أجندة تخالف أو تناقض أجندة المقاومة السنية لقوى البغي والعدوان, وللدقة أكثر نقول, أن ليس كل من يحمل بندقية ضد القوى الصهيوأمريكية هو قمين بأن نرفع له الأيدي بالتحية احتراماً وإجلالاً, فقديما قال بعض علمائنا العارفين : إذا رأيتم الرجل يطير في الهواء أو يمشي على الماء فلا تظنوا أنه من أهل الولاية حتى تروا وقوفه عند السنة (أو قريبا من ذلك).
أوليس الاتحاد السوفيتي كان "إمبراطورية الشر" وفقاً لأدبيات الإدارة الأمريكية! مع أنه كان أكبر منفذي المذابح ضد مواطنيه المسلمين.
فالعبرة دائماً بالنوايا أو بالدوافع لا بالنتائج المنظورة, والنتيجة من حيث العملية لا ما ترتب عليها مبهج للمسلم أن يرى دولة الاحتلال الصهيوني المستكبرة تراغم أنفها في غزة ولبنان وتتبدد أوهام قوتها وتدرك من ثم الشعوب أن ليست "إسرائيل" ـ كما الولايات المتحدة الأمريكية في العراق وأفغانستان ـ قدراً لا يدفعه سوى الدعاء..
هذا كله بكل تأكيد مبعث سرور لكل مسلم, لكنه لا يرقى لتبييض وجه طائفي قميء لم يتورع أنصاره وحلفاؤه في العراق عن ارتكاب مذابح فظيعة ضد المسلمين السنة لا تضاهيها حتى مذابح "إسرائيل" خلال العقد الماضي كله في فلسطين ولبنان, إذ بلغت الحصيلة 200 ألف مسلم قتلهم البغاة في العراق وفقاً لهيئة علماء المسلمين في العراق.
وهذا السرور لأية نكاية تأخذ من الصلف الصهيوني مأخذاً لا ينبغي أن تنسي أن حزب الله لا يقاتل نيابة عن المسلمين السنة لا في فلسطين ولا في غير فلسطين وإنما هو أداة بيد الحرس الثوري الإيراني انطلق في هذه الساعة لتحقيق صفحة من الأجندة الإيرانية في المنطقة, إيران التي تجد نفسها أمام استحقاق أوروبي وأمريكي يدعوها لتقديم رد على المقترحات الأوربية المدعومة أمريكا بعد نحو أسبوعين من الآن, حيث ينتظر الغرب رداً مباشراً لا يجدي معه تقية لاريجاني ولا نجاد, وعليه فإن تحرك حزب الله وإن وضع في حساباته إسكات المطالب الداخلية اللبنانية بشأن نزع سلاحه ومن ثم وجد نفسه مدفوعاً إلى إيجاد مبررات لوجود ترسانة أسلحة إيرانية ضخمة لديه لا تتوافر للجيش اللبناني ذاته عبر تنفيذ عملية "الوعد الصادق".. ووجد نفسه مديناً للداعم السوري الذي حلقت الطائرات "الإسرائيلية" فوق قصر اللاذقية الرئاسي أثناء تواجد الرئيس السوري به أو كادت؛ فإن عينه تتطلع إلى طهران ولا غير طهران.. حيث الهدف المعلن لتحرير الأسرى اللبنانيين والعرب هو في ذيل قائمة طموحاته أو ربما ليست موجودة أصلاً إلا في السطر الأخير من صفحة الأجندة الإيرانية.. اللهم إلا بما يخدم الأهداف والدوافع الأخرى.