أنت هنا

الانتخابات الكويتية: الحكومة ـ الإسلاميون ـ الليبراليون ـ المرأة
7 جمادى الثانية 1427

رغم أن الكتلة الأكبر الفائزة بالانتخابات النيابية الكويتية لم يسند إليها مهمة تشكيل الحكومة الجديدة في الكويت, ورغم أن تشكيلتها المتوقعة من غير المنتظر أن تغادر معها وجوه شغلت مناصب وزارية في الحكومة المستقيلة, إلا أن ذلك لا يحرم هذه الانتخابات من إشارات تغدو ذات دلالات تتجاوز الصعيد السياسي إلى الصعيد الفكري.
فالانتخابات التي حقق فيها الإسلاميون زيادة نسبية في عدد المقاعد التي حصلوا عليها عن سابقتها وتراجعت فيها تيارات الحكومة والليبراليين والشيعة ولم تحصل بها المرأة في مشاركتها الأولى بالانتخابات النيابية تحمل دلالات رمزية قد لا يكون لها كبير تأثير على الواقع السياسي الكويتي, بيد أنها تؤشر للمزاج العام في الخليج العربي, لاسيما في دول مجلس التعاون الخليجي, لا بل تتجاوزه إلى مجمل العالم العربي, لا تأثيراً وإنما مساهمة في فهم التأثيرات المحلية والإقليمية والعالمية على الشعوب العربية لإفادة راصدي الأوضاع الشعبية العربية:
[] يلاحظ أن الإسلاميين بكافة مشاربهم المتأرجحة بين أطياف لها رؤاها المختلفة تكتسب أرضاً جديدة مستفيدة من حالة القهر الشاملة التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية على المنطقة لاسيما بعد احتلال العراق, ووقوفها حائلاً دون نيل الشعوب لحريتها, وأنه حتى تلك التي تنتمي لدولة احتلتها العراق من قبل, يظل الشعب متعاطفاً مع الخيار الإسلامي الذي يبدو بدوره متعاطفاً مع المقاومة العراقية الإسلامية, مثلما هو الحال في سائر البلدان الإسلامية والعربية..
كما تجد فصائل مقاومة مسلحة عراقية إسلامية تعاطفاً متنامياً على الصعيد الشعبي, تجد كذلك تعاطفاً مع حالات إسلامية نضالية سياسية/عسكرية مثل حركة حماس الفلسطينية, وفي الكويت كما مصر والمغرب يلحظ أيضاً أن التيارات الإسلامية السلمية البحتة لا تحرمها الشعوب من حظوظ التعاطف والتأييد.
[] لم يفد التيار الليبرالي الكويتي من حال التغريب الملحوظة التي تمر بها الكويت وغيرها, ولا من اعتبار دولة الكويت من أقل الدول العربية كراهية للولايات المتحدة الأمريكية وسياستها في المنطقة بسبب نجاح الأخيرة في إخراج القوات العراقية من الكويت قبل خمسة عشر عاماً, وتراجعت مقاعد التيار الليبرالي الكويتي في المجلس النيابي الجديد على الرغم من الدعم الهائل الذي تلقاه منظمات المجتمع المدني ورموز هذا التيار الإعلاميين, وهو ما يعكس خيبة أمل بسياسة الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة واهتزازاً للمشروع الليبرالي الذي تجد الولايات المتحدة نفسها شاءت وشاء الليبراليون ـ بالتبعية ـ قاطرة له أو لم يشاءوا.
[] برغم الارتفاع اللافت لمطالب الشيعة الكويتيين ونجاحهم في تنفيذ العديد من مطالبهم, إلا أن ممارسات إخوانهم في العراق قد أثرت نوعاً ما على شعبيتهم التي تراجعت بنسبة 20% عن الانتخابات الماضية, كما وأن الأحداث في البحرين وقضية سب أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها على لسان أحد الخطباء الشيعة, جميعها قد عززت من المخاوف من أجندة الشيعة الكويتيين الباطنية, غير أنه في المقابل لا يمكن أن تقل هذه النسبة عن تلك لاعتبار أنها انعكاس لرغبات الأقلية الشيعية في الكويت.
[] لا يعد عدم تمكن المرأة من دخول المجلس النيابي الكويتي انعكاساً لتسود حالة مما يسميه البعض بـ"المجتمع الذكوري" على المجتمع الكويتي, ولا يعد هذا دليلاً على التقليل من دور المرأة الكويتية ولا غير الكويتية في نهضة المجتمعات, فالثابت من خلال النتائج أن المرأة ذاتها لم تنتخب المرأة, وهو ما يعد اعترافاً بخصوصية الدور العظيم الذي تقوم به المرأة في المجتمع, واضطلاعها بدور تربوي فاعل لا قيادي بالضرورة, وهنا لا يفوتنا أن نلحظ أن للمرأة تأثيرها من داخل قصور وبيوت القادة والرؤساء والزعماء والملوك والأمراء أكبر مما تتطلع إليه في البرلمانات, هذا إضافة إلى دورهن المدني اللافت والمؤثر, والذي لا يعني دخول البرلمان أو عدم دخوله حال انسداد في طريق نهضتهن, لأن تلك النهضة ليست مرهونة بنفاذية القول عبر المجلس أو أي من مؤسسات الحكم المختلفة, وإنما بعدالة تلك المطالب وانسجام المجتمع معها من عدمه.
وإذا كانت بعض القيادات النسوية التغريبية في الكويت قد عزين عدم نجاح المرأة الكويتية في دخول البرلمان إلى "ضيق الوقت"؛ فإنهن كشفن عن "ضيق الأفق" في رجائهن الدولة بـ"التعيين" لخلق نوع من التوازن داخل المجلس وفقاً لنظام "الكوتا" التي تنكرن معها لأفكارهن الليبرالية المتطرفة التي طالبن بها لتكون سُلّماً ثم لما ضل الطريق إلى المأرب سعين لاستبداله بآخر.
المرأة لم تخسر الانتخابات الكويتية لكنها كسبت نفسها أن تأتي على أفكار "التحرير" فتنقحها من مفردات التغريب, أو بالأحرى أن تعيد قراءة أجندة إسلامية تسمو بالمرأة وتضعها في مكانها اللائق.