أنت هنا

المحاكم الإسلامية الصومالية.. الطريق إلى بيدوا
25 جمادى الأول 1427

لعل ما يلح الآن على تفكير المراقبين للشأن الصومالي, هو حالة اللا سلم واللا حرب المهيمنة على الوضع الصومال, سكون "جمهورية" أرض الصومال بالشمال, وتحفز الحكومة الصومالية المؤقتة بالغرب, واستعداد قوات المحاكم الإسلامية بالجنوب والشرق الصوماليين.
ما الذي يجري في الخرطوم وفي واشنطن ولندن وأديس أبابا وباريس وروما؟ لاشك أن ثمة ترتيبات تجري الآن بسرعة لتدارك الأمر, ولوأد احتمال أن تتشكل حكومة منفردة للمحاكم الإسلامية في مقديشو.
ملاحظة مهمة لابد وأن يتوقف عندها المراقبون: ربما الولايات المتحدة تسمح لبعض الوقت بمشاركة للإسلاميين في حكم بلد ما, لكنها أبداً لا تقبل بانفرادهم بالسلطة فيه, وحتى في الدول التي حقق فيها الإسلاميون تقدماً دفعهم إلى قلب السلطة, سرعان ما وجدوا أنفسهم مقيدين فيها بألف غلالة تحول بينهم وإقامة تجربتهم في الحكم منفردين, فلسطين شاهد بارز لحكومة لا تحكم سيطرتها على القوى الأمنية.. أجهزة أمنية عديدة خارج نفوذها, تركيا يقف جنرالات الدونمة وأساطين الاقتصاد ممسكين بتلابيب العدالة والتنمية الحاكمة أمام الجماهير والجماهير فحسب, وفي أفغانستان/طالبان لم يجد الأمريكيون غضاضة من عرض الرئيس الأفغاني لمفاوضات معهم بشأن إشراكهم في الحكم, أما انفرادهم به؛ فقد عملت طائرات الشبح وبي 52 على تبديد الحلم الطالباني في إقامة حكم وفقاً لرؤيتها الخاصة.
ربما قيادة المحاكم الإسلامية (الشرعية) تدرك كل هذا, ولذا وجدت نفسها مدفوعة إلى التوقف عن إكمال الزحف وشد وثاقها حول معصم الحكومة الصومالية المؤقتة في مدينة بيدوا بغرب الصومال, وإلا صار الأمر إلى تدخل خارجي من إثيوبيا وقوات الاتحاد الإفريقي ثم أممياً عبر الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها, ومن ثم دوران البلاد من جديد في حلقة عنف مفرغة لا تنتهي.
وقد تكون قيادة المحاكم تعرف أن ذات القوات المحلية النظامية الضعيفة هي بذرة ميليشيات قوية يضخ إليها الدعم اللوجيستي من كل حدب وصوب؛ فتصير كرة ثلج تتضخم مع الأيام وليس بوسع قوات المحاكم كسر شوكتها إذا ما زحفت باتجاه الغرب إلا عبر هجوم خاطف, وهي لو فعلت بدون أي اعتبار لحسابات ذوي المصالح في القرن الإفريقي تكون قد أقدمت على إزعاج خلية النحل الدولية التي ستتذرع بقيام المحاكم باستلاب الحكم من "حكومة شرعية" تعترف بها دول العالم أو قسم منها, ولاعتبار أن الغرب بديهياً يتمتع بازدواجية سياسية فلن يرعوي عن تكشير أنيابه للدولة الإسلامية الوليدة فيما يضرباً صفحاً عن "جمهورية أرض الصومال" الشمالية المعلنة من جانبها هي وحدها بدون أن تتوافر على اعتراف دولي أو حتى إقليمي.
أو قد تكون المحاكم منزعجة من وجود "فصائل إسلامية" انخرطت في تشكيلة حكومة الصومال المؤقتة من قبل بما يفقد المحاكم شيئاً من شرعيتها في مهاجمة حكومة منتخبة ـ ولو صورياً ـ ولها تمثيل من "الإسلاميين", وأيضاً غير واضحة الولاء للغرب مثلما هو الحال في "قوات مكافحة الإرهاب" البائدة بقيادة أمراء الحرب السابقين, والذين ـ للتذكير ـ فصلت الحكومة بعض زعمائهم منها من قبل, والموالية (تلك القوات) صراحة للولايات المتحدة الأمريكية والتي يكن لها الصوماليون بدورها كراهية شديدة منذ أن وطأت أقدام جنودها, محتلين, الأراضي الصومالية أوائل تسعينات القرن الماضي.
الطريق إلى بيدوا إذن صعب بغض النظر عن مدى طموح أو زهد قيادة المحاكم الإسلامية (الشرعية) في الحكم, وفقاً لتصريحات قيادتها مراراً بعدم رغبتها في حكم الصومال, وهو ما لا يعد غنيمة في دولة هي من أفقر بلدان العالم, وتشرف على مضيق استراتيجي هام يجلب لها المتاعب بأكثر مما يجلب لها المنافع, ورغم صعوبة هذا الطريق إلى بيدوا إلا أن تسمر قوات المحاكم في مرابضها هو خيار قد يكون الأصعب لأن الزمن لا يبدو أنه يسير في صالحها, وأن انتظارها يعطي هدنة تعد بمثابة قبلة الموت لأعدائها الذين أثخنتهم ثم لما تشد عليهم الوثاق.