أنت هنا

عملية إعادة الأمل إلى الصومال
10 جمادى الأول 1427

من قبائح الشق الإعلامي في منظومة الاستراتيجية الأمريكية الرامية لبسط هيمنة الولايات المتحدة وتوسيع إمبراطوريتها في العالم, اعتمادها أسلوب صبغ معانيها الكالحة بمفردات عذبة توحي بنبل الأهداف الأمريكية, أو هكذا يخيل للمتلقي من سحر الإعلام الأمريكي وخطاب البيت الأبيض أنها كذلك.
ولم تستنكف الولايات المتحدة الأمريكية أن تختزل عدوانها على العراق واحتلاله وتغيير تركيبة دولته بالكامل سياسياً واقتصادياً وعسكرياً وأمنياً وثقافياً وحتى ديموجرافياً عبارة لطيفة هي "تغيير نظام صدام", ولم تخجل من أن تسمي عملية احتلال أفغانستان بـ"مكافحة الإرهاب".. ومن قبل جاءت إلى الصومال في ديسمبر 1992 وخرجت مذعورة منه بعد أن سحل الصوماليون جنودها في الشوارع بواسطة عربات يجرها الحمير بعد غشيانها الصومال بأربعة أشهر فقط, ملتحفة بشعار "إعادة الأمل" إلى الصومال بعد عام من سقوط نظام الديكتاتور الماركسي سياد بري.
والواقع أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تزد الصوماليين إلا بؤساً إذ جاءت إليهم راغبة في الهيمنة على منطقة استراتيجية بالغة الأهمية, وأصبح شعار "إعادة الأمل" مادة للسخرية أكثر منه محاولة لتبييض وجه الولايات المتحدة الأسود.. وبرغم أن الصومال من أفقر بلدان العالم إلا أن تدخل الولايات المتحدة الأمريكية زاده فقراً إلى فقر وحروباً إلى حروب وضياعاً إلى ضياع.
"إعادة الأمل" إذن ليست من إمكانات الولايات المتحدة الأمريكية أن تمنحها للصومال, فهي (الولايات المتحدة) دولة استنزاف من الطراز الأول, ولذا كان منطقياً جداً أن تغادر لأن أهل الربا والاحتكار لا يمنحون الصدقات والزكوات, وكان طبيعياً أن ينسحب الأمل من تطلعات الصوماليين سريعاً بعدما أدركوا أن الطائرات الأمريكية لا تحسن أن تلقي المعونات من السماء, لأن خبرتها تنحصر في إلقاء القنابل..
وحيث رحل الأمريكيون زاد التناحر اشتعالاً وتعددت من بعدهم الوساطات الدولية والإفريقية والعربية ولم تفلح أي منها في لملمة جراح هذا الشعب المسلم, وسرعان ما انفصلت ما تسمى بجمهورية أرض الصومال, وانحازت القبائل إلى ميليشياتها, وتقسم البلد فعلياً إلى فسيفساء قبلي, تغزيه امتدادات في خارج الصومال من البلدان المجاورة وبعض القوى الإقليمية والدولية.. وبعد أن ظن الصوماليون أن لا أمل لهم في توحيد بلدهم الممزق وعاصمتهم التي ظلت خمسة عشر عاماً تحكمها فصائل متناحرة برق بصيص أمل الآن, لا نسرف بالتفاؤل بالمناخ الذي ظهر به وبسعي القوى المختلفة إلى إسقاطه, لكننا نعتقد أن توحيد مقديشو تحت حكم فصيل إسلامي يعلى خطابه المعلن من قيمة الشريعة الإسلامية, هو أمر يدعو إلى الاستبشار غير المفرط, لاسيما وكتائب المحاكم الشرعية لم يُعرف عنها لحد الآن تجاوزات في قتالها مع ميليشيات الإرهاب المدعومة من الولايات المتحدة الأمريكية والتي تقهقرت قواتها أمام زحف المحاكم.
وقد تكون الجمهورية الصومالية مرشحة لأن تسحب بساط الاهتمام الأمريكي من تحت أقدام دارفور بعد أن باغتتها حركتها الخاطفة التي شابهت عملية إحكام طالبان على السلطة في كابل أواسط تسعينات القرن الماضي, هذا التشابه الذي حدا بالمراقبين إلى توقع تنفيذ نفس السيناريو الأمريكي في تعاطيه مع حكومة طالبان في أكتوبر 2001 , والذي أدى إلى فرار طالباني تبعه كرار بعد أقل من خمسة أعوام..
ويبدو أن كتائب المحاكم الصومالية قد أفلحت في انتزاع المسمى المغصوب أمريكياً, بعد أن أصبحت حركتها المباغتة هي محاولة إسلامية وطنية لـ"إعادة الأمل" في الصومال, من لدن فصيل يريد تحقيق خير الوحدة والأمان والاستقرار في الصومال بعد أن سنوات من عملية "إعادة البؤس" الأمريكية للصومال.