أنت هنا

فقه الاحتساب يستدعي ذلك !
27 ربيع الثاني 1427

تنشط من حين لآخر جهود لبعض الدعاة والناشطين في الاحتساب على بعض المنكرات ذات الصلة بالشأن العام أو التي تتعلق بقطاع عريض من الناس ، وهي جهود تذكر فتشكر ولا تخطيء العين أثرها في التغيير أو على الأقل لفت نظر الناس وتذكيرهم بممارسات مخالفة طالما ألفوها ونسوا أو غفلوا عن مدى معارضتها لأحكام الإسلام وبعدها عن حقيقته وشعائره الظاهرة .

ومع التقنيات الحديثة ودخول الوسائط الإلكترونية والفضائية عاملا مهما في التواصل بين الناس ، أصبح صوت الإنكار أكثر صخبا وأعلى شأنا من ذي قبل . و هذا وان كان في أصله يخدم الاحتساب ويعظم من أثره إلا أنه في المقابل سيعلي ويروج لما قد يصحب عملية الاحتساب من ممارسات خاطئة غير مقصودة لا يخلو منها أي عمل بشري .

ولأجل هذا – ولغيره - وجب الآن الحذر والتحوط أكثر عند ممارسة الاحتساب ، إذ أصبحت الأخطاء أكثر بروزا وأبين أثرا ، ونجحت في بعض الأحيان الوسائل الإعلامية المقابلة في استغلالها أبشع استغلال لمحاربة الدعاة والمصلحين وفي محاولة هدم شعيرة الاحتساب ، هذه العشيرة التي لا قيام للمجتمع المسلم ولا نجاة له إلا بها .
ونحن هنا لا نتكلم عن أحاد من الناس أو شخصيات غير مشهورة غير معلومة تكتب في الانترنت أو غيرها بأسماء غير معلنة ، فهذا مما يصعب ضبطه ، كما أن أثره يبقى محدودا ، عكس ما يحصل حين يأتي الخطأ والتسرع من أسماء معلومة مشهورة لدعاة أو خطباء أو محتسبين .

إن عملية الاحتساب لم تعد بذات البساطة والوضوح التي كانت عليها في المجتمعات في الماضي ، وصار من الضروري أن ترقى عملية الاحتساب تأسيسا وتخطيطاً وتنظيماً وضبطاً بقدر ما صارت عليه المنكرات من تعقيد ومكر وتغلغل في المناشط والممارسات اليومية .
ويدخل في هذا الباب مسألة التعامل مع وسائل الإعلام مثل إجراء الحوارات و إعطاء التصريحات وتسريب المعلومات وإصدار البيانات وشحن الناس وتفعيلهم تجاه قضية معينة . ومن ذلك التوقيت المناسب لإثارة الموضوع وطريقة الطرح وسقف المطالبات بالتغيير وتناول الشخصيات والرموز محل التهمة أو العلاقة بالمنكر والإجراء المناسب تجاه ردود الأفعال الرسمية و الشعبية .
إن هذا الآمر أصبح علما وفنا لا بد من العلم به و إتقانه وممارسته وفق خطوات محسوبة حتى تؤتي عملية الاحتساب أكلها وينجو الدعاة والمصلحون من الوقوع في شرك الإعلام و مصايده المبثوثة في كل مكان و من ثم هدم مشاريعهم ومبادراتهم بأيديهم من حيث لا يعلمون .
وهنا يأتي دور العلماء الراسخين الربانيين في توجيه هذا الأمر وضبطه ومحاولة القضاء على الفردية والاستئثار بالعمل دون الرجوع إلى أهل العلم والخبرة والتجربة في عمل جماعي يشارك فيه الأخيار وفق منظومة مؤسسية ناجحة .

إنه ليس من العدل أن يبدأ أحدهم بمشروع احتسابي تجاه قضية عامة ويجيش الناس من حوله ، وقد بدأ بداية خاطئة وصاحب عمله تجاوزات شرعية أو إجرائية واضحة ثم يعتب على أهل العلم أن لم يقفوا معه ولم يصدروا بياناً صارخاً مجلجلاً في تأييده والتشنيع على خصومه !

والله من وراء القصد .