أنت هنا

إنهم يزرعون إذ الكسالى خامدون
3 ربيع الثاني 1427

كأننا كنا إزاء حفنة من الهمج والرعاع تمكنت سلطة "الحضارة الغربية" من كبح جماح "إرهابهم" وعزلهم عن العالم فيما يشبه بمعسكرات الاعتقال النازية التي صورت في إعلام الدولة العظمى على أنها معسكرات "حجر إرهابي", هكذا حاولت أن توحي الطغمة الحاكمة في واشنطن لشعبها وللرأي العام العالمي.. هكذا صارت بسبيل تبرير عملية اعتقال غير قانونية وغير إنسانية لعناصر عجزت الولايات المتحدة بكل ما أفرزته أدواتها الاستخبارية والقانونية والتزيفية عن تقديم أية دلائل ملموسة لفريتها بحق معتقلي إكس ري بخليج جوانتانامو الكوبي, الذين يقضون عامهم الخامس من دون محاكمة ولو كانت استثنائية!!
لا جديد فيما سبق, غير أن الجديد هو ما ذكرته صحيفة "الإندبندنت" البريطانية قبل يومين من أن بعض نزلاء جوانتانامو قد "نجحوا في إنشاء مزرعة صغيرة سرية رغم منع الحراس لذلك, يزرعون فيها محاصيل لا يزيد ارتفاعها عن 5 سنتيمتر مثل البطيخ والفلفل والثوم والشمام، وحتى نبتة صغيرة من الليمون من خلال أيديهم فقط ومجموعة من الأدوات الأساسية".
وأعرب المحامي الأمريكي "سابين ويليت" للصحيفة عن دهشته من تمكن موكله وآخرين من زراعة هذه النباتات رغم التشديد الأمني من جانب الحراس، وقال في تصريحات للصحيفة : "لا أستطيع تصديق مثل هذا الأمر، أعلم أنهم لا يملكون الأدوات"، مضيفا أنه في "حالة أخذ مستندات قانونية معه إلى داخل المعتقل، فإنه يجب نزع حتى مشابك الورق(..) كانوا يأخذون البذور من وجباتهم، ثم يقومون بحفر التربة من أجل زراعة النباتات".."كان شيئاً رائعاً" هكذا قال ويلت معجباً بجلد هؤلاء السجناء وتغلبهم على معاناة الزراعة "السرية" هذه وكيفية الحصول على الماء لريها.. ذات الدهشة كانت ترتسم على وجوه حراس بعض سجون الستينات في مصر من زراعة مشابهة..
لماذا يغضب الحراس من الزراعة؟ لماذا يقدم هؤلاء الإرهابيون الافتراضيون على الزراعة مع غياب الحرية؟! هذه ثلاثة مشاهد يمكن أن خلالها اختزال الإجابة:
[] مشهد حراس يمثلون دولة تضع المساحيق الحقوقية لكنها في الحقيقة تضيق برقعة زراعية صغيرة خارجة عن سيطرة أقانيمها الاقتصادية ولو كانت داخل معتقل منعزل عن العالم!!
[] ومشهد متهمين بالإرهاب من دون سوق دليل واحد ضدهم, يتمثلون قول النبي الكريم _صلى الله عليه وسلم_ :" إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم الساعة حتى يغرسها فليغرسها" [رواه البخاري في مفرده والإمام أحمد في مسنده], وقوله أيضاً: " ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعاً فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة " [رواه البخاري].
[] ومشهد همل, وهم جموع بمئات الملايين, لا يعرفون للتنمية سبيلاً ولا يقدرون لها قيمة, ولا يرتقون لمجرد التفكير في ترك أي بصمة لهم في الحياة حتى لو كانت على الأرض نفسها, يمضون في سبيلهم لا هم عمروا دنياهم ولا عملوا لأخراهم, فتراهم وهم أحرار سجناء نفوسهم ودعتهم وسلبيتهم.. لديهم إمكانات هائلة لا تقارن بتلك المتوافرة لمعتقلي جونتانامو لكنهم كسالى خامدون!!
ولاشك أن الصورة التي نقلتها الإندبندنت لهؤلاء مغايرة لتلك التي كانت تتردد كثيراً عن يأس بعض هؤلاء من الحياة وإقدامهم على الانتحار.. ولاشك أنها مدعاة لأن ننتبه قليلاً لحاجتنا ـ ونحن أحرار ولو ظاهرياً ـ إلى ضرورة إعمار الأرض والعمل على نهضة تنموية للأمة جميعها تعبر بنا من حيز الحاجة الدائمة إلى أعدائنا في مأكلنا ومشربنا وملبسنا إلى منطقة الاستقلال الذاتي..
ألسنا نملك في ربوع العالم العربي أكثر من إمكانات جونتانامو وأكبر من رقعة حديقتها السرية!!