أنت هنا

من معاني التحدي الإيراني
14 ربيع الأول 1427

الثقب الأسود الفضائي الذي أحدثه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد بتصريحاته بالأمس كان جديراً بالتهام كل الأحداث اليومية هذا الصباح واجتذاب عدسات المصورين الإعلاميين وأصوات المحللين والمراقبين بعد ساسة العالم الكبار.
هو بالتأكيد ليس مفاجأة مذهلة لأجهزة الرصد ودوائر الاستخبارات الغربية، وبعض العربية بيد أن الإعلان ذاته، جاء بالتوقيت الصحيح الذي أحسن ساسة إيران اختياره ليحدث في العالم انفجاراً مكتوماً، يمكن لهم ضبط حدوده وانعكاساته.
مترافقة مع الإنجاز التكنولوجي الإيراني، جاءت براعة الديبلوماسية الإيرانية في إدارة المبارزة السياسية بين إيران من جهة، والولايات المتحدة والترويكا الأوروبية من جهتين متقابلتين أخريين.
فإيران السياسة والنظام والدولة استطاعت بكل حرفية أن تمزج ما بين اللغة الحوارية التفاوضية والخطاب الثوري المتشدد القوي، في تركيبة مزجت ما بين الراديكالية والتعقل.
هذا قد يكون من أبرز معاني التحدي الإيراني التي أفادت جيداً من التجربة الكورية الشمالية في الضرب على كل الأوتار العصبية للخصم، وجعله في الأخير في حال شلل سياسي وعسكري لا تمكنه من اتخاذ أي إجراء فوري للرد على تحديه، ويمنحه في التوقيت عينه فرصة لتفعيل المسلك الديبلوماسي، وإن كان من المبكر جداً الحديث عن اكتفاء الغرب والكيان الصهيوني بالإدانة الناعمة التي أعقبت الإعلان الإيراني.
وهذه (الإدانة الناعمة) هي إحدى أصداء التحدي الإيراني في أرجاء الدول المؤثرة في العالم، وهي بدورها تميط اللثام عن حقيقة يحاول المستسلمون من ساسة العالم الثالث والعربي القفز فوقها أو تجاوز الجدل حولها ميلاً للخنوع والاستكانة، وهي أن النصر صبر ساعة، وأن على الحكام المخلصين لشعوبهم وقضاياه أن يتحرروا من أقفاص الأسر التي يحلو لهم الدخول فيها اختياراً رغبة في الأمن والرفاه فيفقدانهما مع الكرامة باتخاذهم المناهج الاستسلامية الخاضعة.
اختزالاً، هي أوراق تستطيع دولة أو محور دولي اللعب بها على طاولة السياسة الدولية لكي تجبر الإمبراطوريات على احترامها، أليس من بين ثلاث دول شكلت في المذهب الأمريكي محور الشر برزت دولتان تفرض سطوتهما على "المجتمع الدولي"، الذي تقوده الولايات المتحدة المتخذة من الأمم المتحدة مطية لها وجسراً لطموحاتها ورفضتا الانصياع له، وأدارت صراعهما مع الغرب بكل قوانين اللعبة أو بدونها؟ صحيح أن ثمة من يشكك -وله العذر- في صمت الولايات المتحدة و"إسرائيل" على مشروع إيران النووي كل هذه السنوات (والتي لابد وأن تكون طويلة، ويمكن لأجهزة الرصد الفضائية والبيئية بسهولة التحقق من مراحلها المتأخرة على الأقل) مع أن هذا المشروع قد بدأته إيران -على الأرجح- لإحداث توازن مع المشروع العراقي الذي وأدته "إسرائيل" في مهده قبل أكثر من ربع قرن. ومن حق أولئك أيضاً أن يتشككوا في إقدام الولايات المتحدة على غزو العراق تحت ذريعة أسلحة الدمار الشامل مع أنها كانت على يقين بترديدها للأكاذيب، وإحجامها عن ضرب المشروع الإيراني وهي مدركة للخطوات الوثابة التي تنجزها إيران فيه- صحيح كل هذا، غير أن العراق كانت دولة منهكة وضعيفة وكانت تحبو في برامجها واتخذت سياسات رعناء كثيرة في عهد الرئيس السابق، بينما كانت إيران الشيعية وكوريا الشيوعية تديران سياستهما الاستراتيجية باحتراف.

بقلم: أمير سعيد