أنت هنا

لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم
5 صفر 1427

لقد تكالب الأعداء من اليهود والنصارى والمنافقين على هذا الدين فهم "يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ" (الصف:8)، فهم يريدون إطفاءه بشتَّى الوسائل، ولو رجعنا إلى الوراء قليلاً ومنذ بزوغ شمس هذا الدين ودعوة نبينا _عليه الصلاة والسلام_ إلى عبادة الله ونبذ الشرك بدأ الأعداء يخرجون لصد الناس عن هذا الدين وسب نبيهم بل إنهم تآمروا على قتله ولكن الله قد حفظ نبيه _عليه الصلاة والسلام_ وعندما هاجر إلى المدينة بدأ اليهود والمنافقون وعلى رأسهم عبد الله بن أبي بن سلول – عليه لعنة الله – الذي آذى محمد _صلى الله عليه وسلم_ في عرضه الشريف واتهم أم المؤمنين بالزنا – والعياذ بالله – وبدأ ينشر الخبر الكاذب عن الطاهرة عائشة رضي الله عنها.

وضاق صدره عليه الصلاة والسلام وتأخر نزول الوحي وذلك لحكمة يريدها الله _عز وجل_ فهو يريد أن يميِّز الخبيث من الطيب والمنافق من المؤمن، ونزل قول الله _عز وجل_: "إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ" (النور: من الآية11) ولهذا فإني أقول للمسلمين لا تحسبوا أن هذا الحدث " السخرية والاستهزاء بالنبي _صلى الله عليه وسلم_ " شراً لكم بل هو خير لكم، ولعلي أذكر بعض الفوائد الحسنة من هذه الحادثة التي ضاق منها مليار مسلم، وهذه الفوائد إنما هي تسلية وفرح لكل مسلم ومنها:
1- ظهور هذا الدين بصورة لم يحسب لها الأعداء أي حساب، فحين سخروا من نبي هذه الأمة؛ غضب مليار مسلم وبدأ عوام النصارى وغيرهم بقراءة سيرة هذا النبي والاطلاع على دينه.

2- بدأ الناس يكثرون من قراءة سيرته _عليه الصلاة والسلام_ والاطلاع على سننه وتطبيقها في مجال حياتهم.

3- كثرة طباعة الكتب التي تتحدث عن سيرته _عليه الصلاة والسلام_ حتى أنه طبع بلغات شتى – ولله الحمد–.

4- معرفة أن مسبة النبي _صلى الله عليه وسلم_ ليست كمسبة غيره، بل إن مسبته توجب قتل الساب.

5- فضح أهل البدع وذلك عند ظهور سننه _عليه الصلاة والسلام_ ومعرفتها، حيث إنه ما ظهرت بدعة إلا وخفيت سنه وعند ظهور سننه تخفت البدع – ولله الحمد–.

6- عظم محبة النبي _صلى الله عليه وسلم_ في قلوب المسلمين، بل إن محبته مقدمة على محبة النفس والمال والولد روى البخاري عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي _صلى الله عليه وسلم_ قال: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" وفي الصحيح عن عبد الله بن هشام: كنا مع النبي وهو آخذ بيد عمر، فقال عمر: يا رسول الله، لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي، فقال: "لا والذي نفسي بيده، حتى أكون أحب إليك من نفسك" قال عمر: فإنه الآن لأنت أحب إلي من نفسي، فقال: "الآن يا عمر".

7- مقاطعة المسلمين للكفار، ولا ريب أنَّ هذا يضرُّهم اقتصادياً، وقد كان شيء من ذلك قد حدث في عصر النبوَّة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث خيلاً قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "ما عندك يا ثمامة" فقال: عندي خير يا محمد إن تقتلني تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال، فسل منه ما شئت فتركه حتى كان الغد، فقال "ما عندك يا ثمامة" فقال: ما قلت لك، إن تنعم تنعم على شاكر، فتركه حتى كان من الغد فقال: "ما عندك يا ثمامة" فقال: عندي ما قلت لك، فقال: أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد، فاغتسل ثم دخل المسجد، فقال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي، والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب دين إلي، والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إلي وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة، فماذا ترى؟ فبشره رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ وأمره أن يعتمر، فلما قدم مكة قال له قائل: صبوت قال: لا، ولكن أسلمت مع محمد _صلى الله عليه وسلم_ ولا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي _صلى الله عليه وسلم_" رواه البخاري وفي رواية (أنه بلغ بقريش ما بلغ من الجهد فناشدوا رسول الله والرحم أن يأذن لثمامة ببيع الحنطة لقريش فأذن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ لثمامة).

وفي هذا الحديث دلالة على أنَّ الكفار يتضررون من المقاطعة لاقتصادهم ومنتجاتهم، ولقد قالها الدنماركيون عندما بدأ المسلمون بالمقاطعة الاقتصادية: (ما بنيناه في أربعين سنه خسرناه في أسبوع واحد)، ولا ريب أنَّ هذا مما يفرح المسلمين، وأمَّا المنافقون والعلمانيون فهم يقولون: (وماذا تفيد هذه المقاطعة إنها لا تجدي ولا تأتي بنتيجة) ولا شكَّ عندي أنَّ هؤلاء يريدون إحباط معنويات المسلمين، فجاهد هؤلاء ـ أخي ـ بمالك وقاطعهم لعل الخسارة تحل بهم عاجلاً غير آجل.

8- تحقيق الولاء والبراء وإحياء هذه الشعيرة التي قد أميتت (الولاء للمؤمنين والبراءة من الكفار) فلابد من البراءة من هؤلاء الكفار الذين يسبون نبينا محمد _صلى الله عليه وسلم_ وقبل ذلك رب العزة – جل جلاله – وأهانوا كتاب الله ودنسوه.

9 – يقول الله _تعالى_: "إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ" (الحجر:95)، وإنَّ من استهزأ بنبي من الأنبياء وخصوصاً نبي هذه الأمة وسيد ولد آدم _عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم_ فإن العقاب سوف يحل به لا محالة، انظر على سبيل المثال كسرى عندما مزق كتاب رسول الله واستهزأ به دعا عليه رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ أن يمزق ملكه فما لبث أن مزق الله ملكه، وذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في الصارم المسلول "أن رجلاً نصرانياً أسلم وقرأ البقرة وآل عمران وكان يكتب للنبي _صلى الله عليه وسلم_ فعاد نصرانياً، وكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله فدفنوه فأصبحوا وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبحوا وقد لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس فألقوه".
وقال كذلك _رحمه الله_: "وقد ذكرنا ما جربه المسلمون من تعجيل الانتقام من الكفار إذا تعرضوا لسب رسول الله _صلى الله عليه وسلم_، وبلغنا مثل ذلك في وقائع متعددة، وهذا باب واسع لا يحاط به، ولم نقصد قصده هنا وإنما قصدنا بيان الحكم الشرعي، ونظير هذا ما حدثناه أعداد من المسلمين العدول أهل الفقه والخبرة عما جربوه مرات متعددة في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا، قالوا: كنا نحن نحصر الحصن أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر وهو ممتنع علينا حتى نكاد نيأس منه حتى إذا تعرض أهله لسب رسول الله صلى الله عليه وسلم والوقيعة في عرضه تعجلنا فتحه وتيسر ولم يكد يتأخر إلا يوماً أو يومين أو نحو ذلك، ثم يفتح المكان عنوة، ويكون فيهم ملحمة عظيمة، قالوا: حتى إن كنا لنتباشر بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه مع امتلاء القلوب غيظاً عليهم بما قالوه فيه وهكذا حدثني بعض أصحابنا الثقات أن المسلمين من أهل المغرب حالهم مع النصارى كذلك ومن سنة الله أن يعذب أعداءه تارة بعذاب من عنده وتارة بأيدي عبادة المؤمنين".

10 – عداوة اليهود والنصارى للمسلمين، بل يزيد حنقهم إذا ارتفع الإسلام وظهر يقول الله _عز وجل_ عنهم: "قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ" (آل عمران: من الآية118)، ويقول _جل وعلا_: "لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ" (آل عمران:186).
هذا وأسأل الله _عز وجل_ أن ينصر دينه وأن يعلي كلمته إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.