موضوع الوحدة الإسلامية أو الحوار بين الفصائل الإسلامية أو بين الدعاة و العلماء أو أي شكل من أشكال التقارب المبني على أسس راسخة ، كل هذا مطلوب ، بل هو في الواجبات ، وقد كتب عن هذه الوحدة الكثير ويتحدث الناس حولها دائماً ، وذلك للحاجة الماسة إليها خاصة في مثل الظروف التي نمر بها ، ولكن هل يعني هذا أن نقوم بأي عمل يكتب عليه لافتة ( الوحدة ) أو التجمع ولو كانت أسسه واهية، هل نجتمع على ( غش ) حتى نرضي بعض الناس أو حتى يقال: إننا نعمل للوحدة ، وحتى لو أن بعض الجهات تستغل هذه الوحدة لمصالحها الخاصة أو مصالحا الأنانية .
إن من أسباب نجاح التجمعات الكبيرة أن يتفق الجميع على أسس مشتركة، والانسجام في كثير في المواقف، ووجود الجذور الثقافية و التاريخية ، ولذلك مثلت كثير في الحوارات و مشاريع الوحدة؛ لأنها لم تبن على أسس واضحة بينة أو كان كل طرف يسعى لتحقيق مصلحته الخاصة، ولنضرب أمثلة في تجارب وقعت وهي تجارب كبيرة، مثل: المؤتمر الجزائري الإسلامي الذي دعا إليه الشيخ عبدالحميد بن باديس _رحمة الله_ في عام 1936 م، والتقى فيه معظم اتجاهات الشعب الجزائري ، وعقد المؤتمر وتشكلت لجان ولكن سرعان ما تراخت الجهود وتوقف المؤتمر؛ وذلك لغياب الانسجام الثقافي ، فالذي تولى رئاسة المؤتمر كان في السياسيين الانتهازيين ، وتحولت جهود المؤتمر إلى طلب حقوق الشعب الجزائري ، وكان الأولى أن يفرض شروطه على فرنسا .
ومثال آخر في مؤتمر غير إسلامي وإن حضرته دول إسلامية، وهو: المؤتمر الأفريقي الآسيوي الذي انعقد في ( باندونغ ) في إندونيسيا عام 1955 م ، وبعد ثلاث سنوات من إقامته فشل المؤتمر؛ لعدم وجود الانسجام الضروري ثقافياً وسياسياً و اقتصاديا، وأما نجاح السوق الأوربية المشتركة رغم اختلاف المذاهب الدينية و اختلاف المذاهب الدينية و اختلاف اللغة وبعض المصالح فيرجع إلى أنه بني على روية وهدوء خلال خمسين سنة دارت فيه حوارات و مناقشات مع وجود المصالح المشتركة لقارة أوربا، فالمصالح سياسية و اقتصادية، والذي قام بعبء هذه الوحدة الدولتان الكبيرتان فرنسا و ألمانيا .
فهل تقوم وحدة بين المسلمين – من غير الدول – مع استبعاد الاتجاه الأصل الذي يتبن منهج أهل السنة والجماعة عقيدة وسلوكاً و فكراً ؟ لقد أصل شيخ الإسلام ابن تيميه لهذا الموضوع ورسم الدوائر ووضع كل في دائرته الحقيقة دون ظلم ولا هضم.
ففي الدائرة الأولى أهل السنة من الفقهاء و المحدثين الذين تابعوا الأجيال الثلاثة المفضلة في مسائل الإيمان و غيرها من مسائل العقيدة، وفي منهج فهم و دراسة القران و السنة ، وفي الدائرة الثانية أهل السنة ممن التزم علم الكلام، و في الدائرة الثالثة ذكر المعتزلة ، فإنهم مع بعدهم عن المنهج الصحيح في مسائل كثيرة، لكن لهم حسنات في الدفاع عن الإسلام أمام أهل الإلحاد و الزندقة ، ونشرهم الإسلام في أماكن بعيدة و مؤلفاتهم النافعة في الدفاع عن الرسول _صلى الله علية وسلم_ ثم الخوارج الذين و إن جاءت الآثار بذمهم، ولكنهم بعيدون عن الكذب و الافتراء ، صادقون في معاملاتهم و ليسوا كالرافضة و الباطنية، الذين هم أكثر الناس تصديقاً للكذب و تكذيباً للصدق كما وصفهم ابن تيمية .
فهذا هو العدل و الإنصاف ، وهو الميزان الذي أمر الله به في كتابه الحكيم ولا يوضعون في ( سلة واحدة ) كما يقال .
وعند ما قام الخوارج بثورة على الدولة العبيدية الباطنية في شمال أفريقيا ، وهاجموا عاصمتهم ( المهدية ) أيدهم علماء المالكية وخرجوا معهم وقالوا: نكون مع أهل البدعة في مواجهة الكفر، ولكن الخوارج بطشوا بأهل السنة أيضاً، وقالوا: هؤلاء أعداؤنا أيضاً .
إن الذين يقيمون المؤتمرات التجميعية و يصفون اللافتات الكبيرة هؤلاء يقلبون الدوائر التي تكلم عنها ابن تيميه .
فيضعون في الدائرة الأولى من هو في الدائرة الأخيرة، وهذا ظلم لا يوفق الله من يمارسه ويعلنه للناس، و إنني أخشى أن يكون بعض أهل السنة باجتهاداتهم الخاطئة يمثلون حصان طراودة ، فيدخل من خلاله أهل البدع الكبيرة والباطنيون وكل أفاك أثيم .