9 صفر 1429

السؤال

هل الحب حقيقي في الإنترنت أم لا؟!<BR>وكيف أعرف أن حبيبي يحبني؟!!

أجاب عنها:
أسماء عبدالرازق

الجواب

الأخت الكريمة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وشكراً لك على السؤال. وائذني لي بذكر مثل تستخدمه الانجليزيات في الحديث عن ما يسمونه بالحب والصداقة بين الجنسين في سن الشباب وهو قولهن: "على الفتاة أن تُقَبِّل الكثير من الضفادع حتى تعثر على الأمير"، يردن الضفدع الذي يتحول بعد القبلة إلى أمير، وذلك إشارة للأسطورة غربية معروفة. ومن العجيب أن شأن هذه الأسطورة قد غدا واقعاً في الغرب غير أن تلك الضفادع قد غدت ذئاباً في مسالخ بشر! ولا تزال الفتاة الغربية تبحث عن رجل المستقبل بين تلك الذئاب! فإلى ماذا أفضت بها تلك الحال؟ النتيجة كذلك معروفة. وسببها لو تأملت الطريق الذي سلكن. فهن قد ألزمن أنفسهن بالبحث عن الرجل المناسب وسط الذئاب الذين يصطادون في القاعات العامة، والمحافل، وصالات الترفيه وغيرها، وقد تجد إحداهن الرجل المناسب ولكن بعد أن ينهشها غير واحد من ثعالب البشر! وهكذا - أختي الكريمة- شأن من تبحث عن الحب الحقيقي على صفحات الإنترنت التي انتشر فيها ثعالب وذئاب وضفادع البشر! غير أنه لم يعهد عن الشباب الطيب المستقيم الصادق بحثهم عن الحب بهذه الطريقة. وهذا يعني أن الباحثة عنه سوف تضطر لتقبيل الكثير من الضفادع دون أن تعثر على الأمير! وأمر الباحثة عن الحب من خلال الإنترنت أعجب ممن تبحث عنه في الحانات والمحافل العامة المطروقة، لأنه من العجيب أن يتعلق الإنسان بمن لم يره، ولا يعرف عن طباعه وحاله شيئاً، بل لا يعرف أرجل هو أو امرأة، ولا يدري أصادق هو أم كاذب. ففي العادة يميل المرء لزيد من الناس إما لحسنه، أو لباقته، أو أدبه، أو ثقافته، أو ما شابه ذلك، لكن ليس من عادة الأسوياء من الناس حب شخص ما لمجرد تأكدهم من أنه ينتمي لفصيلة البشر، ويبنون تصورهم له على ما يقوله هو عن نفسه، ثم يتعلقون بهذه الصورة التي ارتسمت في خيالهم، أو رسمها الشيطان لهم، وزينها وحسنها. دعينا نفترض أن زيداً هذا صدق فيما قال عن نفسه، وقد بعث لفتاته بصورته الحقيقية، وأسمعها صوته، وعرفها بتاريخه، فوجدت فيه فارس أحلامها، فأحبته، فكيف لها أن تضمن أنه لم ينسخ كل رسائله لها ويرسلها لمائة فتاة غيرها، ثم يدعي لكل واحدة منهن أنها وحدها من ملكت عليه قلبه، وأسهرت عينه، ويسرق لها من شعر المجنون وابن الملوح. أنى لها أن تعرف أنه صادق في دعواه، وأنه لا يتخذها مجرد ملهاة يقضي بها وقته. بل لو فكرت العاقلة قليلاً ووضعت نفسها في مكانه لوجدت نفسها غير قادرة على احترام تلك الفتاة الساقطة، أو فلنقل تلك الفتاة الساذجة التي تتعلق بكل من هب ودرج دون وعي أو عقل، بل ربما قرر أن يحتفظ بعنوانها تحت اسم "حثالة رقم 10" كما فعل أحد العابثين، مع بعض الساذجات اللاتي كان يتلهى بمحادثتهن. وإلاّ فكيف يحب ذلك الشاب فتاة لم يرها حباً صادقاً، ولم يخبر صدقها من كذبها، ولا يعرف بل قد يجزم بأنها حادثت غيره! وإذا كانت بعض الزيجات تنتهي في أول الطريق بالفشل والانفصال بسبب الخداع أثناء مدة الخطبة التي يتجمل فيها كل طرف لصاحبه فيظهر على غير حقيقته، رغم أن الطرفين جادين في الارتباط ببعضهما، ورغم أن كل منهما قد يعرف شيئاً من صفات الطرف الآخر وينظر إلى تعامله مع غيره ويقيس بناء عليه أخلاقه، فكيف بالخداع والتزوير من وراء الحجب؟ لا شك أن الطرفين في هذه الحالة حتى لو صدقا في حبهما لبعضهما وسعيا للزواج، لا شك أنهما إنما يقيمان بنيانهما على شفا جرف هار، وجهل مدقع بعواقبه. أختي الكريمة: تأكدي أن كل من يميل لمثل هذا النوع من العلاقات رجلاً كان أو امرأة هو أحد شخصين: إما ساقط عابث، أو مريض يعاني فراغاً عاطفياً. أما النوع الأول حماك الله منهم، فالأمر بالنسبة لهم لا يعدو أن يكون رمياً للشباك، وتربصاً بالصيد. وأما النوع الثاني فلن تحل مثل هذه العلاقات مشكلته، بل هي سبب في تفاقمها بلا شك، وخير لهم أن يبحثوا عن العلاج عند الناصحين والأطباء النفسانيين، ويستعينوا بالأخصائيين الاجتماعيين كما يفعل غيرهم من أصحاب الأمراض العضوية. أما دعوى الفضول، وتمضية الوقت بالدردشة والكلام المعسول فإياك وإياها، فتلك هي الخطوة الأولى في طريق الغواية، وإبليس عدو متربص، ومجرم محترف يبدأ مع ضحيته بالخطوة، وينتهي بها في قعر جهنم. فأصيغي السمع لقول الحكيم الخبير جل وعلا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (النور: من الآية21)، وقوله: (وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) (البقرة: من الآية168). أختي الكريمة: تخيري الصديقات النافعات الطيبات وبادليهن المشاعر الطيبة، وتعاوني معهن على ملء الوقت بالنافع المفيد، وبري أمك وأبيك، وتقربي من أخواتك وإخوانك، وعندها لن تجدي حاجة لتبادل مشاعر الحب مع ساقط أو مريض. أما التأكد من حب من يحبك فلا تشغلي نفسك به، لأن المحب الجاد يحترم نفسه، ويعرف قدرها، ويحرص على الظفر بمن يحبها، ويكره مساءتها، فيدفع ذلك دفعاً لأن يأتي البيوت من أبوابها. واعلمي أن المرأة إذا عرفت بالفضائل، وجمعت أنواع الخيرات فسوف تُطلب، وسوف يحرص كل راغب في الخير عليها، وعندها تستطيع التخير أو اتخاذ القرار عن علم ومعرفة مستعينة في ذلك بأهلها وذويها. وإذا لم تطلب وهذه حالها فلأن تتهم من طلبها وهو يجهل عنها كل شيء إلاّ ما تزخرفه أولى. ختاماً أيتها الفاضلة: اعلمي أن في القلب وحشة لا يزيلها إلا التعلق بالله تعالى، وفيه فاقة لا تسدها إلا الطاعة، فاحرصي على التقرب من مولاك، يسعدك في دنياك وأخراك. وفقك الله لمرضاته، وأغناك بطاعته عن معصيته.