19 جمادى الثانية 1431

السؤال

ما صحة حديث رضاع الكبير، فقد تهكم فئة تدعي الإسلام على أم المؤمنين _رضي الله عنها_، وما حكمه؟ علماً بأني لم أسمع فيه من قبل، وقد ذكر كلام يقشعر منه البدن ولا ترضى به النفس المسلمة مثل: إرضاع المرأة لرجل كبير.

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فالحديث صحيح رواه مسلم ( 1453 ) عن عائشة - رضي الله عنها-، ونَصُّه: قالت عائشة: "إِنَّ سَالِمًا مَوْلَى أَبِى حُذَيْفَةَ كَانَ مَعَ أَبِى حُذَيْفَةَ وَأَهْلِهِ فِى بَيْتِهِمْ فَأَتَتْ - تَعْنِى ابْنَةَ سُهَيْلٍ - النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَتْ إِنَّ سَالِمًا قَدْ بَلَغَ مَا يَبْلُغُ الرِّجَالُ وَعَقَلَ مَا عَقَلُوا وَإِنَّهُ يَدْخُلُ عَلَيْنَا وَإِنِّى أَظُنُّ أَنَّ فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا. فَقَالَ لَهَا النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم-: «أَرْضِعِيهِ تَحْرُمِى عَلَيْهِ وَيَذْهَبِ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ». فَرَجَعَتْ فَقَالَتْ إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُهُ فَذَهَبَ الَّذِى فِى نَفْسِ أَبِى حُذَيْفَةَ.
ولا يلزم من ذلك أن يكون رضع ثديها؛ لأنها لم تكن محرماً له، ولا يجوز أن يمس شيئاً منها ما دام أجنبياً فكيف بالثدي، ولكن تقوم المرأة بوضع الحليب في إناء ثم يشربه على أن يكون خمس رضعات.
وقد اختلف العلماء تبعاً لاختلاف زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - هل هو عام أو خاص، فذهب البعض إلى أنه عام، وهو قول عائشة – رضي الله عنها – وقيل خاص لسالم ولسهلة، وهو قول الجمهور من العلماء، وقال به بعض أمهات المؤمنين - رضي الله عنهن-، وتوسط شيخ الإسلام فذهب إلى أنه يجوز إذا وُجدت الحاجة كما حدث في قصة سهلة وسالم، وهذا هو الراجح، فإذا وُجدت العلة وُجد الحكم، ولا دليل على الخصوصية.
وإيضاح هذه الحاجة كما إذا وُجد طفل يتيم أو ليس له أبوان، وقد تجاوز السنتين وكفلته عائلة ووُجدت الحاجة لإرضاعه حتى يبقى مع أهل البيت بعد بلوغه؛ فيجوز أن ترضعه المرأة دون مباشرة للثدي وإنما بواسطة؛ لأن إخراجه من البيت أو بقاءه معهم وليس بمحرم لهم فيه مفاسد كثيرة.
أما إذا كان كبيراً، كأن يكون بعد العاشرة(1) فما فوق، فلا يجوز ذلك، والقول به ضعيف، ويترتب عليه مفاسد لا تنكر؛ لذا لا أرى الإفتاء به، والله أعلم.
أما أولئك الذين يسخرون ويتهكمون فيخشى على دينهم؛ لأن هذا عمل أهل النفاق في كل زمان ومكان، كما قال –سبحانه-: {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة:124، 125].
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

_____________
(1) اختيار العاشرة؛ لأنها السن التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم فيها بضرب الولد على الصلاة، وأمر بالتفريق بينهم في المضاجع، وفي مثل هذه السن أو قبلها يبلغ مبلغ الرجال ويعقل ما عقلوا.