ماذا بعد القرار الأممي بشأن القدس ؟!
4 ربيع الثاني 1439
د. زياد الشامي

أقرت الأمم المتحدة أمس الخميس بأغلبية 128 صوتا مشروع قرار يؤكد اعتبار مسألة القدس من "قضايا الوضع النهائي التي يتعين حلها عن طريق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين و"الإسرائيليين" وفقا لقرارات مجلس الأمن ذات الصلة" .

 

 

غابت عن جلسة الجمعية العامة 21 دولة و امتنعت 35 دولة عن التصويت وعارضت القرار 9 دول من إجمالي الدول الأعضاء في الأمم المتحدة الـ 193 .

 

 

تأتي هذه النتيجة بعد أن مارست الولايات المتحدة الأمريكية أحدث صرعات بلطجتها السياسية إن صح التعبير , حيث وجه رئيسها "ترامب" تهديدا صريحا وواضحا بقطع المساعدات المالية الأمريكية عن أي دولة تصوت لصالح مشروع القرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة .

 

 

مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة "نيكي هيلي" نقلت تهديدات ترامب وبلطجته إلى أروقة المنظمة الأممية إذ بعثت برسالة إلى عدد من نظرائها تحذرهم فيها من إدانة القرار وتتوعدهم بأنها ستقوم بإبلاغ "ترامب" بأسماء الدول التي ستؤيد مشروع القرار !!

 

 

مسؤولوا الدول العربية والإسلامية احتفوا بالقرار أيما حفاوة وأشادوا بمن صوت لصالحه واعتبروه ضربة قوية للإدارة الأمريكية والكيان الصهيوني ونصرا دبلوماسيا يصب في صالح القضية الفلسطينية عموما والقدس والأقصى على وجه الخصوص .

 

 

من جهتها اعتبرت الكثير من الصحف الغربية وحتى الصهيونية القرار الأممي صفعة قوية لترامب فقد اعتبرت صحيفة "هآرتس" الصهيونية أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لصالح مشروع قرار بشأن القدس ضد واشنطن كان بمثابة "صفعة قوية" بوجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب .

 

 

صحيفة "واشنطن بوست" أشارت إلى أن التصويت يمثل توبيخا كبيرا لقرار الولايات المتحدة مضيفة أنه وعلى الرغم من تهديد الولايات المتحدة بقطع المساعدات عن الدول التي تصوت ضد القرار الأمريكي وكذلك تمويل الأمم المتحدة نفسها قامت 128 دولة بالتصويت ضد القرار الأمريكي.

 

 

الصحيفة اعتبرت أيضا أن التصويت يمثل عتابا معلنا للإدارة الأمريكية التي تقف وحيدة وسط العالم في قرارها المتعلق باعتبار القدس عاصمة "لإسرائيل" .

 

 

من جهتها اعتبرت صحيفة "الجارديان" البريطانية أن الجمعية العامة للأمم المتحدة وجهت توبيخا لاذعا للرئيس الأمريكي “دونالد ترامب” عبر التصويت بأغلبية ضخمة رفضا لقراره الأحادي اعتبار القدس عاصمة "لإسرائيل" .

 

 

صحيفة "لاريبوبليكا" الإيطالية عنونت خبر القرار بــ"صفعة لترامب من الجمعية العامة للأمم المتحدة" , بينما عنونت صحيفة ليموند الفرنسية ما جرى بالأمم المتحدة بـ"وضع القدس : الأمم المتحدة تدين قرار دونالد ترامب".

 

 

وبغض النظر عن كون القرار نقطة إيجابية يمكن تسجيلها لصالح قضية القدس والأقصى وفلسطين المحتلة عموما إلا أنه على كل حال قرار غير ملزم كما هو معروف ولا يجبر الولايات المتحدة على التراجع عن قرارها الباطل .

 

 

قد يكون السؤال الأهم الذي لا بد من طرحه الآن : ماذا بعد القرار الأممي بشأن القدس ؟! وهل ستكتفي الدول العربية والإسلامية بتسجيل هذه النقطة بصدور مثل هذا القرار غير الملزم لتقعد بعد ذلك عن مواجهة القرار على أرض الواقع ؟!

 

 

هنا لا بد من التذكير بأن هناك الكثير من القرارات التي صدرت عن الجمعية العامة للأمم المتحدة خلال العقود الماضية يمكن أن توصف بأنها إيجابية ولصالح القضية الفلسطينية عموما إلا أنها بقيت حبرا على ورق ولم تتجاوز عتبة أروقة المنظمة الأممية .

 

 

من جهة أخرى لا بد من التأكيد على أن القرار الأممي وإن لم يأت حسب ما كانت تشتهي الولايات المتحدة الأمريكية وربيبتها "إسرائيل" إلا أنه لن يغير من الأمر الواقع المفروض من قبلهما على الأرض شيئا , ويكفي في هذا السياق الاستشهاد بما قاله "ترامب" خلال تهديده للدول المصوتة على القرار : "حسنًا نحن نراقب أصواتهم.. دعوهم يصوتون ضدنا، هذا سيوفر علينا الكثير.. ولا يهمنا ذلك".

 

 

إن الاكتفاء بمثل هذه الانتصارات الشكلية الورقية لقضية القدس والأقصى لا يغني عن مسرى الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم وأولى القبلتين شيئا ما دام العبث الصهيوني بمعالم المدينة المقدسة ومسجدها المبارك مستمر ومتواصل وتهويد الأماكن التاريخية الإسلامية لم يتوقف يوما منذ عقود .

 

 

ولعل القاصي والداني بات يعلم اليوم الوسيلة الأنجع لإجبار الدول على التراجع عن القرارات التي تضر بدول أخرى بعيدا عن مجلس الأمن أو المنظمة الأممية , فالضغوط الاقتصادية وتهديد المصالح باتت اليوم اللغة الأكثر تأثيرا في عالم السياسة والعلاقات الدولية .