29 ربيع الأول 1439

السؤال

في أحوال مضطربة يمر بها العالم الإسلامي، بماذا ينصحنا فضيلة شيخنا؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. وبعد:

فالصراع بين الحق والباطل قائم قديم وإلى قيام الساعة، فمادام الشيطان وأتباعه من الجن والإنس موجودين فلن يدَعوا للحق قائمة تقوم إلا وهم لها بالمرصاد، إلا من عصم الله {فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ}.

 

ولئن قال البعض – كما ورد بالسؤال - أن الواقع الذي يحيط بالمؤمنين به فتن ومشاكل وغربة، فكذا أظن أن الذين كانوا قبل مائة سنة كانوا يقولون مثل هذا الكلام، وقبل ألف سنة كانوا يقولون قريباً من هذا الكلام وهكذا..

 

والواقع الذي أراه أن مثل هذه التعميمات يجب ألا يعتبرها المؤمن معوقات تعوقه عن فعل الخير وحمله والسير به.

 

بل على المؤمن أن يبحث عن أبواب الخير في مجتمعه، ويركز على الجوانب الإيجابية فيما هو حوله، وعن الممكن والمستطاع من الخير، فتهدأ نفسه.

 

ولو أن أي إنسان ظل يدقق في السلبيات والمعوقات من حوله، بل لو انشغل ولو مع نفسه فقط بسلبياتها لما استطاع أن يستمر في حياته، بل إنك قد تجد أخوين في بيت واحد، حياتهم واحدة، ودراستهم واحدة، ونفقة والدهم عليهم واحدة، لكنك قد تجد أحدهم مستقراً هادئاً، والآخر عنده أزمات نفسية..

 

الفرق بينهما ليس في اختلاف التربية أو العطاء من الأبوين، لكن الفرق هو في رؤيتهم للحياة والواقع.

 

فهذا تجده متفائلاً منشرح الصدر، والآخر تجده متشائماً يجلد ذاته، فتتجمع عليه المآسي..!

 

نعم يا بني السائل، نحن في زمن فتن وغربة، لكن من قال إن الفتن والغربة خاصة بزماننا؟!، ومن قال إنها تحجزك عن القرب من ربك؟

 

إن المهم هو كيف نتعامل معها..

 

ففي حديث لأبي الدرداء "ما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وطائر يقلب جناحيه في السماء إلا أعطانا منه علماً، علمه من علمه، وجهله من جهله.." موطأ مالك.

 

ويهودي يسأل سلمان رضي الله عنه يقول: إن نبيكم علَّمكم كل شيء قال نعم علَّمنا كل شيء حتى آداب دخول الخلاء - والله جل وعلا يقول: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}.

 

فنصيحتي لك ولأمثالك:

أولا: أن يرتبط الشاب بعالِم أو طالب علم أو داعية أو موجه أو مربي يساعده على التعامل مع الحياة والمواقف والصعوبات والابتلاءات والفتن.

 

ثانياً: أن يرجع لكتب الصحاح من الحديث الشريف ويجد فيها أبواب الفتن ويرجع إلى شرحها من العلماء السابقين وسيجد جواباً لما يريد..

 

ثالثاً: عدم الخوف والذعر، بل الثبات والتوكل على الله دائما وفي كل شيء، مع الثقة في قدرة الله وقوته وقيوميته سبحانه.

 

رابعاً: الحكمة في السلوك والتصرف مهما كان صغيراً، والانتباه للقول والفعل، وخاصة الشباب الآن مع وسائل التواصل الاجتماعي يقولون كلاماً ثم بعد ذلك يتورطون فيه، وقد يدفعون ثمناً غالياً، سواء أكان نقلاً خاطئاً أو إشاعات مسيئة أو ضارة أو غيره، قال سبحانه: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ}.

 

خامسا: يجب الانتباه للعبادة الحقة، والإقبال عليها، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما حدّث أصحابه: "العبادة في الهرج كهجرة إليّ" أخرجه مسلم.

وفي حديث آخر عند أحمد: "العبادة في الفتنة كهجرة إليّ"..

 

ولو تدبرنا لماذا قال صلى الله عليه وسلم: "كالهجرة إليّ"؛ لوجدنا من معانيها، أن الذي في زمن النبي صلى الله عليه وسلم كان تأتيه فتنة أو محنة فيذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم يدله عليها، والآن وبعد موته صلى الله عليه وسلم يذهب إلى ربه كما ذهب إبراهيم عليه السلام {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ} فيتوسل إليه ويتضرع إليه فيهديه {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا}.

 

سادسا: إن رفقة المرء معين على سبيله، ومثبت له: قال سبحانه على لسان موسى عليه السلام {وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي}.

 

فالصحبة الصالحة معينة على الخير ومقوية في سبيل الصلاح، ومساعدة على الثبات، مع الحذر من صحبة وجلساء السوء {قَالَ تَاللَّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ * وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ}.

 

سابعاً: وأخيراً.. فالدعاء ثم الدعاء سبيل التوفيق والهداية.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.