الاستفتاء .. لا هو بداية ولا هو نهاية!
6 محرم 1439

حقق من يقفون خلف الاستفتاء بعضا من أهدافهم لا شك في ذلك، لكن ما حققوه لا يخرج عن مساحة الأهداف المؤقتة التي لا تستطيع الصمود أو التأثير على مسيرة وطن مثل العراق، صاحب التاريخ والحضارة الأصيلة الممتدة وصاحب المستقبل الكبير بإذن الله، ولذا ينبغي وضع ما يجري بشأن الاستفتاء في اطاره المرحلي وفهم كافة أبعاده الوقتية والمستقبلية.

 

وفي محاولة الفهم تلك، فسواء انعقدت حالة التصويت أو لم تنعقد، فقد أدار العاملون لأجل تفكيك العراق، اللعبة الإعلامية والسياسية والجماهيرية والدبلوماسية للاستفتاء، لجعله عتبة ومحطة بارزة في الطريق الطويل الذي جرى السير فيه لإنجاز هدف التقسيم، وفي ذلك لا يمكن فصل ما جرى منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عن ما يجري الآن؛ إذ واجه العراق مؤامرات وخطط مرحلية وطويلة الأجل، تأتي حكاية الاستفتاء كأحد فصولها.

 

لقد كانت كردستان العراق مستهدفة منذ بناء العراق الحديث، وقد لعب على وتر تقسيم العراق أطياف دولية وإقليمية متعددة في مراحل تاريخية مختلفة، بما يذكرنا بحكاية جنوب السودان التي لعب فيها كل من الروس والكوبيين والصهاينة والولايات المتحدة وبريطانيا والكنيسة الغربية والقذافي وأوغندا وإثيوبيا، أدوارا لأسباب متعددة، وهكذا سارت الأمور، لكن ما أنجزوه من تقسيم السودان انتهى لإيجاد دولة اقتتال وفوضى وخراب لا مستقبل لها، وفي داخلها تنمو تيارات عميقة للرجوع عن ما جرى، ولنا فيما حدث لدولة جنوب اليمن ودولة ألمانيا الشرقية مثال ونموذج .. ومصير.

 

لقد لعبت الولايات المتحدة وإيران والكيان الصهيوني وعديد من الدول الأوروبية – بل ودول عربية والإقليم - أدوارا في إنماء حالة تقسيم العراق – والتاريخ حافل والشواهد صارت ثابته على الأعمال الاستخبارية والإمداد بالدعم المالي والإعلامي والتسليحي – حتى جاء الاحتلال الأمريكي الإيراني فاقتربت الاستراتيجيات من بعضها واختلفت المصالح ايضا، حتى وصلنا إلى لحظة تسريع عملية تقسيم العراق عبر حكاية الاستفتاء.

 

كان الأخطر فيما جرى هو تلك العملية الممنهجة لإثارة الكراهية والفتن والاقتتال بين مكونات الشعب العراق، لتفكيك النسيج المجتمعي وإنهاء الحالة والقدرة الوطنية الجامعة، وذلك ما استثمر الآن في الخطة الإعلامية والدبلوماسية والسياسية والجماهيرية، إذ جرى اللعب على وتر "شدوه سابقا" وعزفوا عليه، والآن يحاولون الظهور بمظهر من يقف بعيدا ليستمع.

 

لقد هندسوا حكاية الاستفتاء، ليبدو كحالة نيل لحقوق مهضومة، استهدفوا إخفاء حقيقة وهدف تقسيم العراق، عبر تكرار لعبة المظلومية مرة أخرى – بعد الشيعية تأتي الكردية الآن - وهنا كان لإعلان الكيان الصهيوني دعمه للانفصال دورا في لعبة المظلومية التاريخية المدعاة - ولإعطاء تلك العملية ملمحا ايجابيا في الاعلام، كما قدموا الأمر باعتباره فعلا ديمقراطيا وسلميا وحضاريا ليكسبوا تعاطف الرأي العام الغربي بل وبعضا من العربي أيضا، وكذا قدموا الاستفتاء باعتباره فعلا اضطراريا، لجأوا إليه بعد أن أعيتهم السبل.

 

ومن خلال تلك الاستراتيجية الإعلامية، حقق المخططون للاستفتاء خطوة وقفزة باتجاه إعداد الشعب العراقي – المنهك تحت قتلهم وإرهابهم هم - للقبول الطوعي بالانفصال والتقسيم من جهة، وجهزوا العراق لمرحلة جديدة من الاقتتال أيضا، ومن قبل ومن بعد هم قفزوا بقضية "الحدود" بين كردستان، وبقية العراق قفزة إلى الصعيد الدولي.

 

لكن كل ذلك، وما سيتلوه أو يعقبه في هذا الطريق لن يصمد ولن يكتب عنه في تاريخ العراق من بعد إلا أسطرا قليلة، إذ بالإمكان القول تدقيقا إن ما نراه ونشهده في كردستان والعراق وسوريا – بل حتى والسودان – وغيرها كان أمرا متوقعا، فعمليات التفكيك نتاج طبيعي لفكرة قصر الهوية لدول المنطقة على معيار القومية (العربية)، ولكون من تولوا الحكم تحت هذا الشعار والتوجه قد حولوا فكرة القومية إلى نمط تسلطي منع اندماج الشعوب وانصارها، بسبب فصلهم القومية العربية عن بعدها الإسلامي الأرحب والأوسع والأعمق والأشمل والذي هو الأصل.

 

 وهكذا وجد الغرب ودول أخرى، وكل المعادين للإسلام فرصتهم في اللعب على القوميات الأخرى داخل الدول – التي هي عنوان للتفكك أصلا حتى بالمعيار القومي - تنمية وتحفيزا وعدوانية وعنفا، فتعرضت مجتمعاتنا إلى حالات التفتيت الراهنة، لكن كل ذلك أصبح تاريخيا.

 

نعم أصبح تاريخا، ولولا أنه أصبح كذلك ما وجدنا كل هذا الضغط العسكري الدموي الجاري على عجل لإنجاز مهمة التفكيك.

 

 الذاهبون المندفعون بسرعة وقوة وعنف نحو التفكيك، خائفون من التطور الحاصل داخل مجتمعاتنا التي غادرت بوعيها المربع القومي – الضيق - إلى الإسلامي الأوسع والأعمق والأشمل.

 

ما يعيشه العراق – حتى وإن لم يدر بعض من مثقفي مجتمعه - هو محاولة متأخرة من أعداء الإسلام والمسلمين لاستباق التحول الجوهري الجاري حاليا – والشامل لكل القوميات - ولقطع الطريق عليه عبر كل الأدوات التضليلية والعنفية والتفكيكية.

 

المصدر/ الهيئة نت