22 شوال 1438

السؤال

والدتي تتصرف معي بطريقة سلبية وعلى الرغم من جهدي وتعبي إلا أنها لا تعيرني اهتماماً، وتؤذيني بكلماتها المستنقصة لي، فهل بعدي عنها بالسفر أو غيره عمداً خطأ شرعي؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فبر الوالدين أمر عظيم والآيات والأحاديث في ذلك كثيرة، قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا}، ومكانة الوالدين في الإسلام مكانة لا تدانيها مكانة في البر والصلة.

 

والبيوت عادة تحصل بها المشكلات، فلا يخلو بيت من مشكلة صغرت أو كبرت، ولذلك لا بد من الصبر والتحمل والبحث عن رضا الله جل وعلا، لأن رضا الله في رضا الوالدين وخصوصا الأم.

 

والذي يريد الجنة لا بد أن يصبر {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}، {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا...}.

 

لكن إن رأى أن بقاءه في البيت يسبب مشكلة أو يخشى أن يرد على أمه رداً غير مناسب فلا مانع أن يبتعد بشرط أن لا يكون في هذا هجران لها؛ بل عليه برها والإحسان إليها ودوام زيارتها وأن يقوم بحقها؛ فالعلماء يقولون تدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى.

 

أما إذا كان الأمر مجرد غضبها عليه في بعض الأحيان، فلا، إذ لا يخلو بيت من هذا الأمر، وليس مبرراً أن يترك أمه.

إنما عليه بالصبر والدعاء لها والتحمل وحُسن الصحبة كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم

 

والأم عاطفتها قريبة، لذلك فأنا أقول إن السبب غالباً هو الابن الذي لا يحسن التعامل مع أمه، فنادراً ما يوجد من الأمهات من تكون صعبة وقاسية على أولادها، فطبيعة الأم العاطفة والرحمة وهذا الأصل في الأم ولذلك فعليه أن يجتهد في برها وطاعتها والسعي فيما يرضيها.

 

ولكن لو رأى أن الابتعاد قليلاً يقطع المشكلات ويدفع المفسدة الكبرى، مع كونه لا يؤدي إلى القطيعة ولا إلى الهجر فلا حرج.

 

وأقول للأمهات أولئك اللاتي يضغطن على أبنائهن ضغطا غير مبرر ولا مستطاع أقول لها أنها هي الخاسرة في العاجل والآجل، والأم مهمتها أن تربي أبناءها وأن تحسن صحبتهم.

 

وهذه القسوة التي نسمعها من بعض الأمهات وإن كان قصدها خيراً فهي مخطئة وقد تخسر حتى بر أولادها.

 

فإنه إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ومنها ولد صالح يدعو له، فلتحسن إليهم من أجل أن يستمر أجرها وأن يستمر عطاؤها وأن يستمر أيضاً الخير لها حتى بعد وفاتها، فهم سيدعون لها ويتصدقون لها. والله أعلم.