أوروبا لن تسكت وناقوس الفوضى يدق
25 رجب 1438
محمود حاكم محمد

لقد اختار الشعب التركي الإنتقال أو بالأصح العودة إلى النظام الرئاسي خلال الإستفتاء الذي جرى الأحد الماضي، على الرغم من المساعي الأوروبية المكثفة مستعينة بجميع أعوانها وعملائها سواء داخل تركيا أوخارجها في سبيل إجهاض القيامة  التركية (أو النهوض التركي).

 

ينبغي أن نذكر بأن النظام السابق أي البرلماني لم يتم الإنتقال إليه في بداية عهد الجمهورية التركية عبر الرجوع إلى الشعب التركي في تلك الفترة بل تم فرضه بالإجبار تحت رعاية بريطانية صليبية. وعلى الرغم من أن النظام كان في ذلك الوقت برلمانيا إلا أنه كان يدار من قبل حزب واحد وهو حزب الشعب الجمهوري، كما أن عملية أن يصبح الفرد نائب في البرلمان كانت تتم عبر التعيين وليس الإنتخاب بمعنى آخر لم تكن البلاد تدار بنظام ديموقراطي.

 

وبعد الحرب العالمية الثانية أدركت الدول الغربية العظمى خطر تواجد حزب واحد في تركيا الذي قد يسمح بوصول شخص غير مرغوب به (إسلامي) إلى السلطة يتجاهل الأوامر الصادرة عنها. لذا أجبرت عصمت إينونو الذي كان رئيسا للبلاد يومها السماح للتعدد الحزبي خلال مؤتمر الأمم المتحدة الذي عقد في سان فرانسيسكو عام 1945.

 

وبناء على تلك الأوامر أجرى إينونو اتفاقا مع جلال بايار الذي كان يعد أحد أكثر الأشخاص التابعين للعلمانية وأفكار مصطفى كمال، لتشكيل حزب سياسي بهدف الحفاظ على النظام العلماني، ولكن الأمور لم تجري كما كان مخططا له. حيث قام بايار بتعيين عدنان مندريس رئيسا للوزراء الذي وضع اللبنة الأولى لعودة الإسلام في تركيا عقب انتخابات 1950.

 

تجربة مندريس التي انتهت بإنقلاب 27 مايو/ أيار 1960 العسكري جعلت الدول الغربية تدرك وجوب تواجد أكثر من حزبين سياسيين لإبقاء تركيا تحت عصا الطاعة، حيث أن شخصا اسلاميا (مثل نجم الدين أربكان) لو استطاع الوصول إلى السلطة فلن يستطيع تشكيل حكومة انفرادية وذلك لأن الشعب التركي كان مقسم إلى اسلاميين ويساريين وقوميين وليبراليين. وكما زاد عدد الأحزاب زادت صعوبة تشكيل حكومة انفرادية. فوصلت الدول العظمى إلى مبتغاها حتى عام 1983.

 

فلقد شاء القدر أن يكون انقلاب 12 سبتمبر/ أيلول 1980 سببا لوصول تورغوت أوزال (الإسلامي) الذي أكمل مسيرة مندريس إلى السلطة، حيث أن قائد الإنقلاب كنعان أفرين أغلق جميع الأحزاب السياسية في تركيا عقب الإنقلاب وسمح في البداية لإثنين من أعوانه تشكيل أحزاب سياسية (حزب يميني وآخر يساري) بهدف البقاء في منصب رئاسة الجهمورية، إلا أن أوزال استطاع إقناع أفرين للسماح له بتشكيل حزب ثالث (حزب الوطن الأم) الذي فاز بانخابات  1983 وشكل حكومة منفردة حتى عام 1991.

 

وبعد تولي أوزال زمام الأمور في البلاد بدأت الدول الغربية بالعمل على الضغط عليه بإسم الديمقراطية لرفع الحظر السياسي عن سليمان دميرل ونجم الدين أربكان وبولنت أجاويد (السياسيين السابقيين) بهدف إعادة البلاد تحت عصا الطاعة عبر الحكومات الإئتلافية.

 

تورغوت أوزال كان مدركا لما يسعى إليه الغرب لذا قام بوضع السد الإنتخابي الذي يتمثل بسماح الأحزاب التي تحصل على نسبة 10% فأكثر للدخول إلى قبة البرلمان. ولكن سليمان دميرل الذي إعتمد سياسة الوعود الكاذبة للوصول إلى الحكم استطاع التغلب على أوزال في انتخابات 1991. حيث أنه وعد الشعب التركي بأنه يعطي كل فرد من الشعب مفتاحين (منزل وسيارة) إذا أصبح رئيسا للوزاراء.

 

ومع أن خطة أوزال لم تنجح في البداية حيث أن عهد الحكومات الإئتلافية عاد إلى تركيا إلى أنه كان سببا لوصول حزب العدالة التنمية بقيادة رجب طيب أردوغان إلى السلطة عام 2002.

 

فالأزمة الإقتصادية التي عاشتها تركيا عام 2001 إضافة إلى مسألة عدم إعدام عبدالله أوجلان زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون في سجن إمرالي، أدت إلى عدم استطاعة الأحزاب الثلاثة (حزب الحركة القومية وجزب الوطن الأم وحزب اليسار الديمقراطي) التي كانت تشكل الحكومة الإئتلافية الأخيرة إجتياز السد الإنتخابي، الأمر الذي سمح لحزب العدالة والتنمية بتشكيل حكومة انفرادية رغم حصوله على 34.28% من نسبة الأصوات. وبهذا بدأ عهد حزب العدالة والتنمية.

 

إنتقال تركيا إلى النظام الرئاسي عبر الإستفتاء الذي جرى الأحد الماضي حطم الحلم الغربي بعودة تركيا إلى عهد الحكومات الإئتلافية وبالتالي العودة تحت عصا الطاعة. لذا لن تسكت الدول الغربية وستسعى جاهدة وبكل الوسائل لكي تعيد الأمور إلى سابق عهدها.

 

الفوضى على الأبواب
تنص الخطة بداية، على خلق الفوضى في مختلف أنحاء تركيا عبر التشكيك في نتائج الإستفتاء، حيث أوكل هذا الدول إلى زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال قليتشدار أوغلو إلى جانب الأحزاب المعارضة الأخرى لنتيجة الإستفتاء الذين يدعون أن 3 ملايين من الأصوات يجب إلغاؤها بسبب عدم ختم أوراق الإقتراع من قبل موظفي صندوق الإقتراع متهمين اللجنة العليا للانتخابات بالإنصياع لأوامر الحكومة.

 

أضف إلى ذلك إدعاءات الدكتاتورية وتقسيم البلاد عبر النظام الفدرالي ليتم تأسيس دولة كردستان في شرق وجنوب شرق البلاد، مستندين إلى تصريحات شكري قره تبه مستشار الرئيس التركي أردوغان، التي أدلى بها قبل أيام قليل من تاريخ الإستفتاء (هناك نوايا خفية وراء هذه التصريحات حسب رأي الشخصي) والتي تسببت بهبوط التأييد الشعب للنظام الجديد.

 

وسط هذه الإدعاءات ستيم استغلال أي مناسبة أو مسألة لنشر الفوضى في البلاد من قبل مؤيدي الأحزاب المعارضة لنتائج الإستفتاء والعملاء المحرضين كما حدث في أحداث غيزي بارك (احتجاجات منتزه ميدان تقسيم) التي إنطلقت عام 2013 من اسطنبول بحجة الأشجار وإنتشرت في سائر أنحاء تركيا. كما قد تم القيام بالاعتداء ومهاجمة المساجد وبيوت الجمع العلوية بهدف إشعال نار الفتنة مذهبية والطائفية في تركيا.

 

وتتمثل الخطوة الأخيرة بالضغط على القوات العسكرية في تركيا لتجري إنقلابا على الحكومة.

 

ورغم كل هذه المكائد، فحسب رأي الشخص، لن يستطيع الغرب الوصول إلى مبتغاه وذلك لأن الموازين اليوم والشعب التركي قد تغير، كما أن حكومة العدالة والتنمية ليست غافلة عن ما يجري في البلاد.
إني أرى العلمانية في تركيا تسير لزوالٍ
 ورؤوس الكفر ناكسة تنوح نواح الذليلِ
وجيوش الإنكشارية تسير بإذنه إلى نصرٍ
 وراية التوحيد تعلو للسماء بتكبير وتهليلِ

 

المصدر:تركيا بوست