20 رجب 1438

السؤال

مقولة منتشرة بين الناس يقولون: الأخوة في الله شيء والعمل والنظام شيء آخر، ويرتبون عليها قسوة شديدة من صاحب العمل على الآخرين مهما كانوا إخوة أو أصدقاء لكونهم يعملون عند أصدقائهم كعمال أو متعاقدين أو مثاله.. ما الصواب في ذلك؟ ولماذا يعامل الناس بوجهين هكذا وجه شديد جدا قاس باعتباره صاحب العمل ووجه رقيق رحيم في المسجد والعبادات؟

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فقد مَنَّ الله سبحانه وتعالى على المؤمنين بنعمة الأخوة في الله، فهي نعمة لا يقدر قدرها إلا مَن عرفها، يقول سبحانه: {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}، بل إن المجتمع المؤمن يقوم على أساسين هما الإيمان والأخوة.

 

والأخوة في الله لها حقوق عظيمة من أهمها نصحه ومعونته والسعي في مصلحته وحفظ ماله وعرضه وغير ذلك كثير..

 

وبالطبع فإن لصاحب العمل حقوقاً لا بد من أدائها له وإلا تعرض للضرر في ماله وعمله.

 

وعلى جانب آخر فإن للعامل حقاً لازماً كما ورد في غير ما حديث صحيح، فقد قال صلى الله عليه وسلم: قال الله: "ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يعطه أجره" رواه مسلم.

 

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه" ابن ماجه.

 

وقوله صلى الله عليه وسلم: "إخوانكم خولكم، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم" البخاري.

 

والواجب على المؤمن في تعامله أن يجمع بين المفاهيم الثلاثة السابقة مفهوم الأخوة ومفهوم الحقوق ومفهوم الواجبات.

 

وما ذكرته في سؤالك هو في الحقيقة خلل في الفهم ممن يرتكبون ذلك.

 

فالمؤمن لا يتغير سلوكه بتغير مكانه أو ظرفه، بل يظل ثابتا على خُلُقه وقيمه.

 

وكونه في العمل يأخذ الحق كاملاً فلا حرج في ذلك، فهذا من حقه، وإن عفا وأصلح فهو الخير كله، وسلوك الأخوة في الله هو العفو والصفح والبذل والإيثار.

 

لكن هناك جانب آخر يتعلق بالعاملين أنفسهم، فبعضهم بحجة الأخوة يقصرون في أعمالهم، وهذا لا يصح إلا بمقدار ما يسمح به صاحب العمل أو من كُلِّف بأداء العمل على الوجه الصحيح.

 

وبالعموم فالمؤمن يجب أن يكون حليماً عفوا، محقا، عادلا، سواء في موقعه كعامل أو كصاحب عمل.

 

ونحن نوصي الجميع بحديث النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الدعوة العظيمة من دعائه صلى الله عليه وسلم، حين يقول: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشد عليهم فاشدد عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به" أخرجه مسلم.