13 رجب 1438

السؤال

نعاني في مجتمعنا من الهوة السحيقة بين الأبناء والآباء، مما يتسبب في مشكلات دائمة وبُعد بينهما، ولديّ مشكلة من هذا النوع مع ابني الذي يرى اختيارات في شؤون زواجه واختياراته وأعماله بعيدة عن ما أتمناه وبعيدا عما يرضيني، ودائما يقول لي هل البر هو السمع والطاعة في كل شيء؟ وماذا لو كانت اختيارات الأبوين متأخرة أو قليلة النفع أو ضعيفة الرؤية هل أيضا يكون من البر طاعتهم وأنا دائما أقول له إن البر الطاعة وإنني أكثر خبرة منه في الحياة وإنه يجب عليه طاعتي؟!

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فأعظم العلاقات البشرية على الإطلاق هي علاقة المرء بوالديه، فهما أقرب الناس إليه، وهو أغلى الناس عندهم.

وقد جعل الله سبحانه البيت المؤمن بيتاً قائماً على تلك العلاقة الوثيقة المتبادلة من المحبة والتقدير والاحترام والبر والرحمة.

 

ولطالما كانت علاقة الأبناء بالآباء في المجتمع المسلم علاقة إيجابية، فالأب هو الناصح المربي المعلم المؤدب المنفق على ولده الساعي في مصالحه وحاجاته، والابن هو البار المطيع الرحيم الساعي على محاباة والده وحاجاته وهكذا..

 

وبالطبع فإن اختلاف الأعمار والأجيال قد يؤثر في طبيعة الرؤى والتصورات والحكم على الأمور، فالوالد يحكم على الأمور من واقع خبرته وعلمه وتجربته وحكمته، وقد لا يعجب ذلك الأبناء الذين يتصفون بالسرعة في رؤياهم وتصرفاتهم والرغبة في قطف الثمار فورا..!.. بل قد يكونون في بعض الأحيان متأثرين بوسائل التكنولوجيا الحديثة ووسائل التواصل وما يبث إعلاميا وغيره!

 

وهنا يأتي دور التربية الإسلامية الناجحة، فالأب الناجح هو من يستطيع تضييق مساحة التباين في الرأي، ويستطيع إقناع ابنه بالحكمة والدليل وتوصيل المعاني والمفاهيم، كما أن الابن الصالح هو من يستطيع توصيل وجهة نظره لوالده بتوقير وتقدير واحترام وحسن خلق.

 

وبخصوص سؤالك، فدعني بداية أعترض على مقولة "الهوة السحيقة بين الأبناء والآباء".. فهذا أراه فيه مبالغة كبيرة.

 

فالحمد لله العلاقات بين الآباء والأبناء في مجتمعنا لا تزال بخير، وحالات الشكوى وإن كانت موجودة بالفعل لكنها تبقى حالات استثنائية وليست الأصل.

 

ومحدد البر في علاقة الوالد بولده هي الطاعة في المعروف، أما في غير المعروف فلا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.

 

ويدخل في مسمى بر الوالد أن يراه حيث يحب من الخير، ويفقده حيث يكره من الشر، ويسعى في حاجاته، ويحسن حديثه ومعاملته ويكرمه ويقوم بحقه خير قيام.

 

وفي الوقت نفسه فالآباء يجب أن يحسنوا التعامل مع أولادهم، وهنا مسألة مهمة بيّنتها في كتاب بيوت مطمئنة، فبعض الآباء يريد أن يربي أولاده كما رباه أبوه، وهذا غير صحيح، أقصد فيما يتعلق بالعرف الاجتماعي.

 

فاليوم اختلف المجتمع في بعض الأمور عن السابق، ففي السابق مثلا لم تكن هناك تلك المساحة الموجودة الآن للحوار والأخذ والعطاء مع الأبناء، أما اليوم فمن المهم وجود الحوار وسعة الصدر والتعامل والرفق والإقناع.

 

وعلى الأب أن يثق أنه لا يمكن أن يطرح لابنه موضوعاً بأسلوب مقنع وحوار هادئ ولا يقبل، بل ربما عندئذ يكون التقصير في جانب الآباء، فأبناؤنا ولله الحمد تغلب عليهم الطيبة القلبية ورغبة الخير لكنهم يحتاجون خصوصية في طريقة الخطاب والإقناع والبيان وسعة الصدر.

وأنا أنصح الآباء بالدعاء لأولادهم والأبناء بالدعاء لآبائهم وبهذا تنضم اللحمة والله أعلم.