كتب كبير مراسلي صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، في المنطقة العربية، جورج مالبرونو، أنه إذا كان النظام السوري وحلفاؤه الروس والإيرانيون قد سلّموا، ربما، بأن يتركوا للأميركيين وحلفائهم الأكراد مهمة استعادة "الرقة" من "داعش"، فذلك لا يعني أن بشار الأسد قد تخلى عن شرق سوريا، أي ما يسمّى "سوريا غير المفيدة"، التي تمتد على طول الصحراء بموازاة نهر الفرات، والتي تتميز عما يسمى "سوريا المفيدة"، أي سوريا المدن الكبرى، التي نجحت دمشق في استعادتها بفضل الدعم العسكري الروسي والإيراني.
ويعترف خبير مؤيد للنظام بأن "الأسد ربما انتصر في الحرب ضد المتمردين، ولكنه لن يكسب معركة السلام من دون شرق سوريا، الذي ينضح بالنفط والقمح"، وهذا في لحظة إعلان الولايات المتحدة أن رحيل الأسد لم يعد يشكل "أولوية" بالنسبة لها. وفي الصراع الدائر حالياً من أجل إقامة تحالفات مع القبائل التي كانت، بمعظمها، قد انتفضت ضد النظام الديكتاتوري، فهنالك مدينة تتميز بأهميتها الإستراتيجية في نظر دمشق وطهران، وهي مدينة "دير الزور".
ووفقا لترجمة موقع "الشفاف"، فإن "دير الزور"، التي تقع على "الفرات" على مسافة 150 كيلومتراً من الرقة، تمثّل النفط، عدا أنها "بوابة العراق"، وهي كذلك الامتداد الجغرافي للأراضي التي ستنتشر فيها الميليشيات الشيعية الموالية لإيران بعد عودة الموصل إلى حظيرة الدولة العراقية.
يعني ذلك أن الاحتفاظ بالسيطرة على "دير الزور" مسألة حاسمة بالنسبة لدمشق. وليس صدفةً أن النظام يحتفظ فيها منذ أكثر من 3 سنوات، ورغم كل تعرّض له، بحوالي 6000 جندي يؤمنون السيطرة على مطار "الرقة" العسكري وعلى ثلث المدينة، بينما يسيطر "تنظيم الدولة" على القسم الباقي.
ويأتي الإنتاج النفطي السوري -380 ألف برميل في اليوم في العام 2010، قبل الثورة- من محافظات "دير الزور" و"الحسكة"، في شمال المدينة، والتي يسيطر الأكراد على معظمها. كما إن اكتشاف الغاز قرب "تدمر" يجعل الشرق السوري أكثر فائدة لدمشق وحلفائها الروس والإيرانيين، الذي بدأوا يستثمرون فيه، ولا يقبل هؤلاء، بأي حال من الأحوال، بأن يصل الأكراد، وخصوصاً الأتراك، حتى "دير الزور".
والقبائل العربية التي تقطن منطقة "دير الزور" أكثر عداءً للأكراد من مثيلتها في "الرقة"، مثلما كانت معادية لنظام دمشق ابتداءً من العام 2011. ومع ذلك، فإن عداء العشائر لـ"داعش"، مضافاً إلى رغبتها بعودة الاستقرار من أجل استئناف نشاطاتها التجارية المُجزية، يمكن أن يجعل منها، في المستقبل، شريكاً للنظام السوري.
وكتب "مالبرونو" أن "دير الزور" هي بمثابة رأس جسر، فالتمركز فيها يعني السيطرة على الطريق المتّجه إلى العراق، الذي تفصله عنها مسافة 200 كيلومتر في الصحراء. وفي الجهة العراقية، فالأرجح أن منطقة الحدود ستخضع للميليشيات الشيعية العراقية، القريبة من راعيها الإيراني.
وبالنسبة لطهران -كما الحال بالنسبة لدمشق وبغداد- التي لم تتردّد في قصف أراضٍ سورية مؤخراً، فإن الإمساك بمنطقة "دير الزور" والحدود مع العراق يعني تأمين التواصل الجغرافي للمحور الإستراتيجي الشيعي في مناطق سُنّية تتأثر بخصميها السعودي والأردني. ويقول الخبير المؤيد لنظام الأسد إنه "سبق للإيرانيين أن نشروا قوات عسكرية للدفاع عن مطار دير الزور".
تمتلك طهران ورقة أخرى في حربها: الميليشيات الأيزيدية التي تنتشر في منطقة "سنجار" العراقية، والقريبة من حزب "بي كا كا" الكردي، الذي "صادف" أن تقاربت معه طهران مؤخراً!
ويمكن لهذه التحالفات المعقدة أن تصطدم بالمخططات التي تُعزى إلى الأميركيين، والتي تقضي بإنشاء منطقة خاضعة للنفوذ الكردي قد ينطلق منها الثوار المعتدلون المناوئون للأسد لمواصلة حربهم بعد القضاء على "تنظيم الدولة".
في أي جهة يقف الأميركيون في معركة "دير الزور"؟ في خريف 2016، لم يتردّد البنتاغون في قصف مواقع الجيش السوري قرب "دير الزور"، الأمر الذي أسفر عن مقتل 80 جندي سوري. رسمياً، كان القصف عبارة عن "خطأ فادح"، ولكن دمشق وموسكو اعتبرتا أن "الخطأ" المزعوم كان دليلاً على رغبة واشنطن في إضعاف السلطة السورية في ما تبقّى لها من منطقة "دير الزور".
ماذا سيكون موقف واشنطن غداً؟ بعد التصريحات الأمريكية الأخيرة التي طمأنت الأسد، فليس مؤكداً أن يكون البنتاغون راغباً في مواجهة موسكو في "دير الزور"، وهذا إلا إذا تغيّرت الحسابات بعد الهجوم الكيميائي الذي وقع أمس الثلاثاء، والذي يُعتقد أن دمشق قامت به.
والأمر المؤكد، وفقا للكاتب الفرنسي، أن واشنطن تملك أوراقاً كردية وعربية قوية للحيلولة دون استعادة الأسد السيطرة على المناطق المتنازع عليها، بل لدفع الأسد نحو الرحيل، إما بعد فترة انتقالية، أو بعد انتهاء مدة ولايته في العام 2021.
المصدر/ مجلة العصر