معضلة النظام السياسي في تركيا
9 جمادى الثانية 1438
علي باكير

يحتدم النقاش حالياً في تركيا حول القرار المتعلق بالتصويت بـ «نعم» أو «لا» للتعديلات الدستورية التي من شأن إقرارها تغيير شكل النظام السياسي في البلاد إلى نظام رئاسي تتركز الصلاحيات التنفيذية فيه بيد رئيس الجمهورية. ويسعى كل معسكر إلى حشد جماهيره وأنصاره للتصويت لصالحه في المهلة المتاحة قبل إقامة الاستفتاء الشعبي العام في 16 أبريل المقبل. وتشير معظم المتابعات إلى أن أصوات المترددين سيكون لها تأثير كبير على نتيجة التصويت، وفي ظل حقيقة أنه لا يزال هناك الكثير من الوقت حتى إقامة الاستفتاء، تركز الحملة الدعائية لكلا الطرفين على إقناع المترددين بتغيير آرائهم.
من إيجابيات النظام الرئاسي عادة أنه يسرع من عملية اتخاذ وتنفيذ القرار السياسي، كما أنه يحقق قدراً أكبر من الاستقرار، ويسمح بشكل أوضح لعملية فصل السلطات بأن تأخذ مداها. فعلى عكس النظام البرلماني، يكون الرئيس في النظام الرئاسي منتخبا من قبل الشعب مباشرة ويعمل على اختيار أعضاء إدارته بنفسه ويكونون مسؤولين عن أدائهم ومهامهم أمامه وهذا يؤدي إلى تقليص أي مساحة للتداخل بين السلطة التنفيذية والتشريعية.

 

في التعديلات المقترحة، يتم نقل الصلاحيات التنفيذية لرئيس الحكومة إلى تلك المخصصة لرئيس الجمهورية في الدستور، ويضاف إليها صلاحيات أخرى، لكن المشكلة لا تتعلق بمضمون الصلاحيات بقدر ما تتعلق بالتأكيد على فصل السلطات وتحقيق التوازن بينها في الوقت نفسه. كان من الممكن لهذه التعديلات أن تكون أفضل بالتأكيد لناحية إزالة هواجس المواطنين تجاه هذه النقطة بالتحديد، لكنها لم تفعل.

 

ولعل من أكبر التحفظات الموجودة على التعديلات المقترحة، السماح للرئيس بالاحتفاظ بصلاته الحزبية، وبما أن رئيس الجمهورية سينتمي في الغالب إلى الحزب السياسي الفائز في الانتخابات البرلمانية فهذا يعني أن الرئيس سيكون له مكانة مهمة أيضاً في الجسم التشريعي إضافة إلى احتكاره للسلطات التنفيذية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الجسم القضائي، حيث يحق لرئيس الجمهورية تعيين 4 أعضاء في مجلس القضاة والمدعين بالإضافة إلى كون وزير العدل ووكيله أعضاء فيه مقابل 7 يختارهم البرلمان، ولا شك أن حزب الرئيس في البرلمان سيحظى بالقدرة على إيصال بعض الأعضاء.

 

هذه بعض المآخذ المهمة على التعديلات المقترحة والتي من الممكن للمعارضين استغلالها لحشد الجماهير للتصويت بـ «لا»، لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل التصويت بـ «لا» والعودة إلى النظام الحالي سيحل المشكلة؟ الجواب عن هذا السؤال «لا». فالنظام الموجود حالياً يعاني من مشكلة هيكلية بسبب الدستور، فلا هو نظام برلماني، لأن صلاحيات رئيس الجمهورية فيه كبيرة نسبياً ولأن التعديل الدستوري عام 2007 سحب صلاحية اختيار الرئيس من قبل البرلمان وحولها إلى الشعب مباشرة، ولا هو نظام رئاسي لأن هناك رئيسا للوزراء ولأن الحكومة مسؤولة أمام البرلمان، ولا هو نظام نصف رئاسي كذلك لأن الدستور لا ينص على ذلك صراحة.

 

 

هذه الحالة تخلق وضعاً شاذاً لا يسمح للنظام السياسي في البلاد بأن يعمل بشكل منسجم ومتوازن ومستقر لأنه يخلق حالة من التضارب في الصلاحيات والمسؤوليات، وإذا ما جاءت حكومة ائتلافية مستقبلا أو كان رئيس الحكومة شخصية قوية أو ينتمي إلى حزب لا يتبع لرئيس الجمهورية فسيخلق مشاكل كبيرة لن يكون من السهل حلها لأنها تتبع لمشكلة عضوية.