د.محمد العبدة: نعاني أزمة تفكير ومناهجنا تعمقها.. جيل الشيوخ مدعو لمراجعة تجاربه الدعوية قبل تقديمها للشباب.. ماذا لو كان عثمان حياً بيننا؟! (2)
23 جمادى الأول 1438
موقع المسلم

أكد المفكر الإسلامي البارز الدكتور محمد العبدة أن الأمة الإسلامية تعاني من أزمة تفكير وغياب تدبر آيات الأنفس والآفاق، أدت إلى قلة المفكرين القادرين على نقل الأمة إلى الأمام والعبور بها من أزمات الواقع

 

 وقال فضيلته في الجزء الثاني من حواره موقع "المسلم" أن جيل الشباب مدعو إلى الانخراط بالشأن العام متسلحين بعلم حقيقي ومعرفة مؤسسين على فقه صحيح ودراية بواقع المسلمين وواقع العالم من حولهم، لافتاً إلى ضرورة الجمع بين العقل والعاطفة، والإفادة من التقنية الجديدة لصالح أمتهم.
ودعا د.العبدة إلى عدم اكتفاء جيل الشيوخ بنقل تجاربه التي مر بها قديماً إلى شباب اليوم من دون أن يقدم مراجعة شاملة لها تعين الشباب على عدم تكرار أخطاء الماضي.

 
نص الحوار:
هل تعاني الأمة أزمة مفكرين؟
 يمكن أن يقال أن هناك أزمة تفكير قبل أن نقول أزمة مفكرين ، وأعني أن ما يطلبه القرآن الكريم من المسلمين أن يمارسوا عملية التفكير فيما يدور حولهم وفي تدبر آيات الأنفس والآفاق لم يقوموا بها على الوجه المطلوب ، فإن طرق التعليم هي في الغالب تلقينية وتعتمد على الحفظ أكثر من اعتمادها على المناقشة والتحليل ، ولذلك لا يتعود الطالب على طرق التفكير المناسبة التي أودعها الله في فطرة الإنسان ، وقد أدان القرآن الأمية الفكرية التي تعني عدم الفهم أو الفهم السطحي المبتسر ، ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني وإن هم إلا يظنون ) وقد نجد مدرساً في الجامعة وهو يصدق أعتى الخرافات ، ويتكلم بعض الوعاظ اليوم بقصص غير معقولة ولكن الناس يصدقونها.

 

ما الحل إذن؟ هل في مناهج التعليم التي لا ينتجها أصحاب اهتمام بهذا الجانب غالباً وتمر كثيراً من تحت أيدي خبراء من خارج أمتنا؟
الاهتمام بمناهج التعليم هو أحد الحلول ، وخاصة المعاهد الشرعية والكليات الشرعية ، فهي بحاجة شديدة إلى مناهج البحث والحوار والتعمق في دراسة القرآن والسنة ، والاطلاع على ما عند الآخرين ، وتبقى الأسرة هي المعلم الأول ، وللإعلام دور مهم في هذا الجانب.

 

من جانب آخر، هل ترون أن المفكرين الحاليين في الأمة قادرون على العبور بالأمة إرشاداً وتنبيهاً إلى بر الأمان؟ أم أن الأمة بحاجة لصناعة هؤلاء من قبل؟
الذين يسمون مفكرين كثر ولكن المفكرين الحقيقيين قليلون، ولا أظن أن الموجودين قادرون وحدهم على العبور بالأمة إرشاداً وتوجيهاً ، لابد من جو ثقافي علمي يساعد الأمة بشكل عام على التعود على التفكير السليم.

 

ربما لا يتنازع اثنان في أن المسلمين يعيشون مشكلة مصيرية.. من أين يبدأ الحل؟
 هذا سؤال يطرح دائماً وتختلف الإجابات عليه ، وهو سؤال مهم ولا مانع من طرحه دائماً لعلنا نصل إلى شيء ايجابي ، وأعتقد أن بداية الخلل ( وهذا موجود اليوم ) كانت عندما تغيرت النيات كما يقول العلامة ابن خلدون ، ففي زمن الراشدين كانت البيعة خالصة لله وليست بسبب خوف أو طمع ، أي كان الولاء خالصاً للرسالة ، كانت الطاعة تديناً ، والراشدون يخلفون الرسول صلى الله عليه وسلم في نصرة الرسالة ، القيادة شيء مهم جداً في حياة البشر ، كيف تختار القيادة ؟ ومن الذي يختار ؟ إذا لم يكن الولاء خالصاً ، فستدخل الأهواء الحزبية والقبلية والمناطقية ..وهكذا يختل العمل ولا تصل القيادات الحقيقية لتدير الأمور على ما يجب ، إذن الإصلاح يبدأ من النية وإبعاد كل الأهواء النفسية.

 

ولو كان أمثال عثمان رضي الله عنه بين أظهرنا لما اختاروه لأنه حيي وليس خطيباً مفوهاً ، فالمقاييس اختلفت واضطربت ، وهناك خلل آخر أساسي وجذري وهو ضعف الأخلاق الأساسية مثل الصدق والشجاعة والوفاء والإنصاف ، فلا يمكن لأمة أن تتقدم وهي لا تتصف بهذه الأخلاق وغيرها.

 

الشباب الحائر بين ما يعانونه في واقعهم، والانسداد السياسي في كثير من الدول الإسلامية، كيف لهم أن يهتدوا لسبيل حكيم؟
 إذا رغب الشباب أن يروا الأفق أمامهم مفتوحاً فعليهم أن ينخرطوا بالشأن العام ، ويدخلوا غمار نهضة بلادهم ، ولا يكون ذلك إلا بعلم ومعرفة لا بد منها ، علم مؤسس على فقه صحيح ودراية بواقع المسلمين وواقع العالم من حولهم ، والعواطف الفائرة لا تصلح إذا أرادوا  العودة إلى تفعيل حضارة الإسلام ، لا بد من الجمع بين العقل والعاطفة، لا بد أن يتعبوا كثيراً في العودة إلى منابعنا الأصيلة ولا يكتفوا بالقليل من العلم والثقافة، ويستطيعون تسخير امكاناتهم الكبيرة في التكنولوجيا لصالح أمتهم التي هي بحاجة لهم.

 

 
- ثمة ما يقال عنه "صراع أجيال" بين جيل الشيوخ وجيل الشباب، كيف نوجد المواءمة، لاسيما أن الجيلين لم ينجحا لحد الآن في حل مشكلات الواقع المؤلمة؟
 نعم هذا مع الأسف موجود ، والحل سهل ومتيسر ، الشيوخ يتأنون كثيرا ، ويفكرون طويلاً ، والشباب يريدون الحلول السريعة ، والأجوبة القاطعة ، إذن ما المانع أن يستفيد الشباب من الشيوخ ، يستشيرونهم ويحترمونهم ، وعلى الشيوخ أن يقدروا حماسة الشباب واندفاعهم وذكائهم ويكونوا ردأ لهم ، يقدمونهم كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأظن أن المشكلة عند الشباب أكثر مما هي عند الشيوخ ، هم يظنون أو يعتقدون أن الشيوخ انتهى دورهم ويجب أن يبتعدوا عن طريق الشباب ، وهذا في الحقيقة فهم سقيم للأمور ، وقد سمعت مثل هذا الكلام من بعض الشباب ، والغريب أن يقال ( صراع أجيال ) بينما نرى بعض الأمم في الغرب تستفيد من الشيوخ والشباب بتوازن وتعقل.

 

لكن ألا ترون أن جيل الشيوخ قد أخفق كثيراً في نقل تجاربه إلى الجيل التالي، بحيث نجد أن قطاعات شبابية متدينة تقع في الأخطاء ذاتها التي وقع فيها الآباء والأجداد من الشيوخ.. مثلاً، مسائل الغلو والتعلم غير الرشيد والتدين المغشوش ونحوها؟
الأصل أن جيل الشيوخ ينقل تجربته مع ممارسة نوع من المراجعات لها ، وأين كان الخطأ والخلل ، ربما يكون هذا أحد أسباب وقوع الشباب في الأخطاء نفسها ، وقد يكون النقص في العلماء الراسخين الذين يقدمون الأجوبة الشافية هو أحد الأسباب أيضاً ، وشيء آخر وهو غلبة التقليد على قطاع لا بأس به من الشباب لأنه الطريق الأسهل ، وهذا يتحملونه هم وحدهم

 

 - تقولون إن "تأسيس الإسلام للفرد لا يقل أهمية عن تأسيس جهاز الحكم"، وهذا ربما صحيح تأصيلياً، لكن ألا ترون أن العمل على تأسيس الفرد قد يأخذ أجيال تلو أجيال، وأنه مع الهدم المستمر والتغريب قد يصبح حرثاً في البحر؟
لا شك أن تأسيس الفرد مهم  ، كيف تكون دولة قوية أفرادها في واد وهي في واد آخر ؟ كيف سيكون شكل الحكم إذا كان المتنفذون لا يقيمون وزناً للصلاة ولا يكون اليوم الآخر بين أعينهم دائماً ؟ وأما أن هذا التأسيس يأخذ أجيالاً فقد لا يكون كما تقول إذا كان التأسيس قوياً وواضحاً ، وإذا كان الهدم مستمراً والتغريب مستمراً فهذا خطأ في التأسيس أو تباطؤ وتراخ غير مقبول ، وانظر إلى واقعنا اليوم عندما وصلت بعض الفصائل الإسلامية إلى الحكم ، كيف ابتعدت أو انحرفت عن المسار الصحيح.
 

 

هل ما يجري في سوريا واليمن وليبيا وغيرها من قبيل الفتنة المنهي عن الخوض فيها، والمأمور باعتزالها كما يقول بعض الناس؟
الفتنة المنهي عن الخوض فيها هي عندما تكون الأمور ملتبسة غير واضحة ، لا يعلم الحق هل هو هنا أو هناك ، فهل الأمر غير واضح في سورية حيث الدفاع عن الدين والدفاع عن حرية المسلم وكرامته ، ومحاربة الفساد ونهب الأموال ، وضد نظام مجرم عاتٍ أحرق الأخضر واليابس هل هذا غير واضح ؟ وكذلك في اليمن حيث تعيث مليشيات ايران فساداً في الأرض وتمزيقاً للأوطان ، هل هذا غير واضح ؟ إذن متى يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؟ وقد يكون الأمر في ليبيا مرتبك ولا يشبه تماماً ما يجري في سورية واليمن ، بالتأكيد هناك أمور غير مقبولة ، ولكن الوسيلة للوقوف ضدها قد تكون غير سليمة ،  ولكن لاشك أن إخراج (داعش ) من هذا البلد وغيره طبعاً يريح أهلها.

 

 هذا يعيدنا مرة أخرى إلى المفكرين وذوي النهى.. أين نجدهم في مثل هذه الأزمات؟
نعم نعود مرة أخرى لقضية مهمة وهي أنه قد يبعد أولو النهى ، ليتقدم أناس قليلو البضاعة من العلم ومن سياسات الإسلام في مثل هذه الظروف ، وثقافتنا تميل إلى الذي يعظ ويتكلم كثيراً حتى دون علم راسخ!