30 ربيع الأول 1438

السؤال

تتعرض مجتمعاتنا لأزمات مختلفة على أكثر من صعيد، مما يصيبنا بالآلام المتتابعات، ويجعلنا نفقد الأمل في أي انفراجة أو حل، لكنني كثيراً ما أقرأ عن التفاؤل في الأوقات العصيبة، فوددت أن أسأل عن معنى استصحاب التفاؤل ونحن في هذه الشدائد؟!

أجاب عنها:
الشيخ أ.د. ناصر بن سليمان العمر

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد: فللإجابة على سؤالك نقف عند عدة نقاط:

أولاً: سنة الله في الخلق {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ}، فالحياة لا تستقيم على خط واحد، بل الابتلاء والامتحان: {الم، أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آَمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ}.

 

فإذا عرفنا الطريق هانت علينا المشقة، فلو أن انسانا اتخذ طريقا وهو يعرف وعورته، هانت عليه شدته، واستعد له، ولم يتفاجأ بعقباته، بل حتى لو كان معه آخرون فإنه يصبرهم ويطمئنهم بأن "الفرج قريب".

 

ثانيا: أن النفوس المهزومة لا تنفع نفسها؛ فإذن لن تنفع غيرها بل إن من أسباب الانتصار أن تستطيع أن تهزم خصمك من داخل نفسه، ففي قصة بني النضير في سورة الحشر قال سبحانه: {فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.

 

ولما غزا التتار بغداد كانت النفوس محطمة، حتى إنهم ليأمرون الناس بالانتظار ليقتلوهم فيقول التتري: "انتظر حتى آتي بالسيف فأقتلك، فينتظره من الرعب والخوف!".

 

ثالثاً: التفاؤل منهج الأنبياء، كل الأنبياء كانوا على أعلى ما يكون من التفاؤل في أشد الأزمات..
وأمام أعيننا الأمثلة من المرضى المصابين بأمراض شديدة، وكيف تؤثر حالتهم المعنوية من التفاؤل وانتظار الفرج إيجابيا في شفائهم من أمراضهم، بينما اليائسون يتراجعون ويشتد مرضهم..!

 

وكما أن أي هدف يحتاج إلى تدريب، فحتى التفاؤل يحتاج إلى تدريب، قال صلى الله عليه وسلم: "إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم"، فيمكن أن يدرب الإنسان نفسه كيف يكون متفائلاً عبر تثبيت اليقين في نفسه، وتعظيم حسن ظنه بالله ربه، ودراسة وتدبر التاريخ وغيره.

 

إن الأدلة التي يستخدمها المتشائمون والقانطون لهي أقوى الدلائل على التفاؤل، فالله سبحانه قال: {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ} لأن هذا دليل النصر، وفعلاً تحقق النصر.

 

وواقعياً، قد أقول لك إنني متفائل بشخص قد انتُخب رئيساً لدولة كبرى من الدول الظالمة، على الرغم من أن الكثيرين قد تألَّموا لانتخابه، إذ كان السابقون له يتآمرون علينا ويخادعوننا من خلفنا، أما هذا وأمثاله فهم واضحون في أفعالهم، وقد يكون سببا في يقظة أو استدراك للأمة؛ لما يعلنه من إرادة السوء بها.