رد الإيرانيون على فوز ترامب في الانتخابات بسلسلة من التصريحات والمواقف الرسمية المتفاوتة الحدة والمستويات والتي تحمل معها رسائل مختلطة. وزير الخارجية على سبيل المثال اعتبر أن فوز ترامب هو مسألة داخلية، مطالبا الرئيس الأميركي بتأكيد التزامه بالاتفاق النووي.
أما خطيب إيران الراديكالي آية الله خاتمي، فقد طالب ترامب بالاعتذار من الشعب الإيراني، في الوقت الذي أشار فيه أمين عام مجلس الأمن القومي الإيراني إلى أن تمديد العقوبات على إيران يعني إلغاء الاتفاق النووي مع القوى الكبرى مؤكداً أن بلاده أعدت رداً يمكن تفعيله في أي وقت وبشكل سريع. في المقابل، اعتبر المرشد الأعلى علي الخامنئي، أن انتخاب ترامب لا يبدل شيئا بالنسبة لإيران، مضيفا «لا نشعر بالقلق، ونحن مستعدون لمواجهة أي احتمال».
هذا التوزيع للمواقف بين الدعوة والتأكيد والمطالبة والتحذير والتعبير عن عدم القلق قد يبدو للوهلة الأولى متناقضاً لكنه في حقيقة الأمر مناورة معقدة ومدروسة تهدف إلى مخاطبة ترامب مبكراً والتأثير على موقفه من خلال القول بأن هناك من هو مستعد للتعامل معه إذا أحسن الاختيار وأنهم مستعدون للأسوأ إذا ما أساء الاختيار.
بمعنى آخر، يحاول الجانب الإيراني من خلال هذه الخطوات تحديد الملعب الذي سيلعب عليه الطرفان وقواعد اللعبة التي سينخرطان فيها قريبا. أعتقد أن الخطوة الأهم لإيران في هذا المجال منذ انتخاب ترامب مؤخراً هو التقرير الذي نشره المجلس الوطني الإيراني-الأميركي «نياك» في 14 نوفمبر 2016. ويعتبر المجلس عملياً بمثابة لوبي للنظام الإيراني في الولايات المتحدة، وكان له دور هام وفاعل في التوصل إلى الاتفاق النووي بين إدارة أوباما ونظام الملالي.
يحمل التقرير المشار إليه عنوان: «توسيع الانفتاح على إيران لأقصى حد: كيف من الممكن للرئيس ترامب أن يؤمّن المصالح الأميركية في الشرق الأوسط» ووقع عليه 76 خبيراً أميركياً من بينهم أكاديميون معروفون ومسؤولون سابقون. يدّعي التقرير أن الاتفاق النووي مع إيران قلص من خطر الحرب في الشرق الأوسط، ومن هذا المنطلق يدعو الرئيس ترامب إلى أن يتخلى عن موقفه العدائي من الاتفاق النووي وأن يستفيد منه فيستخدمه كأداة لتخفيف التوتر مع إيران في قضايا أخرى. التقرير يعكس بشكل غير مباشر فكرة تمت صياغتها بشكل دقيق لتكون بمثابة رسالة للرئيس المنتخب ومفادها أن إيران هي أفضل من يمكنه خدمة المصالح الأميركية في المنطقة، وأنه عبر إيران فقط سيكون بإمكان الولايات المتحدة أن تصون هذه المصالح. وكما كانت الرسالة في عهد أوباما، يتم تكرارها هنا أيضا وهي أن إيران مستعدة للتعاون في مجال مكافحة الإرهاب، والإرهاب هنا هو الاسم الحركي إن صح التعبير لمحاربة السنّة في المنطقة وتثبيت النفوذ الإيراني وأدوات إيران الطائفية سياسيا وعسكريا.
من غير المعروف بعد عمّا إذا كان ترامب وفريقه سيتأثر فعلا بمثل هذه التكتيكات النفسية، أم سيقوم هو في المقابل بتحديد قواعد جديدة لهذه اللعبة في ظل الحقيقة التي تؤكد أن الاتفاق النووي شكّل كارثة ليس بذاته فقط، بل بثمنه الذي شمل أيضا السماح لنظام الملالي بالتمدد في المنطقة وإطلاق جيوش الميليشيات الشيعية ودعم المجرمين كالأسد. أما المكافآت المالية والرشاوي التي حصل عليها النظام الإيراني بموجب هذا الاتفاق فقد تم استغلالها لدعم وتعيد عمليات الحرس الثوري ونشاطاته الإرهابية في المنطقة وشراء الأسلحة من روسيا. مثل هذه الحقائق لا يمكن تغطيتها بمناورات سياسية آو إعلامية إلا إذا كان ترامب مستعداً لقبولها.
المصدر: العرب القطرية