"الموصل" نحن أيضًا سنضع خريطَتنا على الطاولة
24 محرم 1438
إبراهيم قارا غُل

بما أنكم قد فتحتم الحسابات القديمة، وبما أنّ منطقتنا يُعاد تصميمها للمرّة الثانية بعد الحرب العالمية الأولى، وبما أنّكم تُصمّمون خرائط جديدة لجميع الدول إذًا فنحن أيضًا سنُنزل ملفّاتنا القديمة من الرّفوف ونفتحها لنُشكّل خريطتنا ونضعها على الطاولة. ونحن أيضًا مضطرّون للمقاومة و لبناء مستقبلنا والدفاع عن أنفسنا تجاه التهديدات الموجهة إلينا.

 

 

ولا ينتظرَنّ أحدٌ منّا أن نقف خارج اللعبة الجديدة للدول الجديدة والتي تشترك فيها أمريكا وبريطانيا وروسيا وألمانيا وفرنسا وحتّى إيران. ولا يدفعْنا أحدٌ إلى خارج حسابات القوّات التي تُنفّذ بناءً على مصادر الطّاقة والموصل وداعش. ولا يحاولْ أحدٌ تخفيض مستوانا إلى تسليم مستقبلنا لحلفائنا ولا يجبرْنا أحدٌ إلى الالتزام بتوصيات حلفائنا. ولا يُحاولْ أحدٌ تخويفنا عن طريق تسليط المجموعات المركزة في المنطقة علينا.

 

 

لا ينتظرْ أحدٌ سكوتَنا وانحناء رأسنا

 لا ينتظرْ أحدٌ منّا الصمت والسكوت ومشاهدة الأحداث من مكاننا في زمنٍ يُعاد فيه تصميم مستقبل المنطقة من اليمن وسوريا والعراق إلى السعودية. فهم يُجهّزون سيناريوهات التجزئة لكل دولة فلا يمكن أن نحني رأسنا ونستسلم أمام كلّ هذا. ولا يحاولْ أحدٌ منعَ تجهيزاتنا للاعتداءات الجديدة.

 

لسنا نحن من بدأنا بهذا الموضوع. فنحن لم نحتلْ أفغانستان ولا العراق. ونحن لم نُولّد تنظيم داعش. ولم نُجهّز للاعتداءات عن طريق داعش. بل بالعكس تمامًا نحن تعرّضنا لاعتداءات هذا التنظيم وقاومنا اعتداءات تنظيم بي كا كا وواجهنا محاولات الحروب الداخلية عن طريق منظّمة غولن الإرهابيّة. وواجهنا الصراعات الطائفيّة والمذهبيّة من وراء هذه التنظيمات. ولا نزال نُقاوم تلك الاعتداءات في ظلّ أقسى الظّروف.

 

 

لدينا حساب الألف سنة

 ولكنّنا نحن لسنا دولةً ولسنا شعبًا يلتهي بهذه الصراعات وينسى ما يحصل في جنوبه مباشرةً وما يُجهّز ويُنصب له هناك. نحن نُشكّل العنصرَ الأساسيّ لهذه الجغرافيا ونحن من صنّاع التاريخ كشعب ودولة. لن تنجح مخطّطات كلِّ من يحاول تهديدنا بالقناة التي ستُؤسّس في شمال العراق وسوريا، وكلّ من يحاول إبعادَنا عن الموصل، وكلّ من ينصب الفخوخ الرخيصة علينا ويحاول إبعادَنا من هذه المنطقة ليقيم على هذه الأراضي، وإنّ كلَّ من يخطّط مخطّطات الجيل الحديث فإنّه لن ينجح بأيّ مخطّط دون أن يأخذ تركيا بعين الاعتبار فنحن دولةٌ حدّدت مصير المنطقة لمدة ألف سنة.

 

اليوم تُعاد حسابات المنطقة بأكملها. نحن في فترة وضعت كافة القياسات العالمية التقليدية على جنب لتنصب عملية انقسامية مريعة عن طريق العراق وسوريا. تقريبًا لم يعدْ شيءٌ يسمى بحكومة بغداد. لأنّه لم يعدْ لديها قوة السيطرة على العراق فهي حكومةٌ تنفّذ أوامرَ طهران وواشنطن فقط.

 

 

ماذا يحاولون أن يغطوا بمعارضة تركيا؟

 لذلك فإنّ الأصوات المرتفعة ضدّ تركيا من بغداد هي أصواتُ أمريكا وإيران. وهي أصواتُ التنظيمات والمنظّمات الإرهابية المختبئة وراء الهويات الطائفية. وأصحاب هذه الأصوات يهدفون لتقسيم العراق وإشعال فتيل حروب المدن وإنشاء عدّة دول في العراق وسوريا وبذلك سيضمنوا مصادرَ الطاقة عن طريق هذه الدويلات.

 

وليس من الرجاحة أن نستمع لدروس الاستقلال والحقوق الدولية ونصائح تقبُّل الوضع الراهن؛ مِن الذين نسَوا كافّة القيم والمقاييس لتنفيذ أقسى مخططات التجزئة. كلّ من يقول لنا "لا تتدخلو" و"أنتم ليس لكم أيّ علاقة" و "ليس لكم مكان هنا" وينسى كافّة روابطنا التاريخية ويحاول مسح ذاكرتنا هم أنفسُهم يُمزّقون هذه الدّول والمدن ويُحوّلونها إلى قطع صغيرة.

 

 

حان وقت تبنّي الموصل

 لا يحقّ لكم ذلك..

مسألة الموصل هي من أهم قضايا تركيا. حتى أننا لا نحتاج لنذكركم بميثاق عام 1926. فإنّ محاولاتكم بتجزئة المنطقة والحقائق الجغرافية السياسية والمذهبية للمنطقة وإقلاق تركيا بشأن أمنها تُعطينا الأولويّة في التدخل لأنّنا من بلاد هذه المنطقة وهذا كافٍ للتبرير. لا يمكن تسليم شعب الموصل لإرادة خارجية. ولا يمكن أن تُسلّم الموصل لقوة أجنبية.

 

لا يمكن أن تكون الموصلُ هدفًا للصراع المذهبي والطائفي. ولا يمكن تسليمها لمؤامرات النفط التابعة لأمريكا وبريطانيا. ولا يمكن تركها للهوية الشيعية الإيرانية. ولا يمكن أيضًا تركها لقرار بغداد التي تتحرّك وفق قرارات إيران الشيعية.

 

 

يجهّزون لحروب المدن

 تمّ تنفيذ خريطة احتلالية عن طريق داعش وتسليمها لمجموعة الموصل. والآن تُنفّذ خريطةٌ احتلاليّةٌ أخرى عن طريق نفس التنظيم. يتحجّجون بتنظيم داعش ليجرّبوا عمليّة احتلالية أخرى. كلُّ هذا مجرد تلفيقات وأكاذيب. والموجة الثانية بعد احتلال العراق هي موجة احتلال المدن. فالخطر الذي كان يستهدف الدول هو يستهدف المدن الآن. ولا زالت مخطّطات تقسيم الدول إلى مدن مستمرة. والخطوة التالية هي حروب المدن. ستحارب بغداد الموصل وستحارب الموصل حلب.

 

لذلك على تركيا أن تكون القوّة الديناميكية الحاضنة لعملية التفريق هذه. يجب عليها أن تدخل بالأسلوب السلجوقي. يجب أن تتدخّل كقوة ديناميكية جديدة. وعلى تركيا أن تكون المفشّلة لجميع المؤامرات الموجهة إلى كافة دول المنطقة وليس إلى الموصل فقط. حتى أنها لا يوجد لديها خيار أن تدافع عن نفسها فقط وتنغلق على نفسها.

 

 

 

البقاء في مرحلة الدفاع فقط يُعتبر انتحارًا

 لأنّنا نحن في زمن تخسر فيه كلّ دولة تبقى في مرحلة الدفاع فقط. وهذا الزمن هو زمن الخطو إلى الأمام. لذلك يأتوننا من بُعد آلاف الكيلومترات ليحتلّوا دولنا ومدننا.

القوّات الأجنبية هي التي تحتلّ مدننا ولكنّنا نحن من لا يحقّ لنا أن نصرف أيّ كلمة أليس كذلك؟ إذًا سنقوم بتفعيل الصعب والحسابات التاريخية وتركيا أيضًا عليها الآن أن تدرك تاريخها وأن تُقاوم من أجله.

وإن لم نقم بذلك اليوم ستعتدي علينا تلك المدن غدًا. وستتحوّل كلّ مدينة إلى قوّة عسكرية سلاحيّة ضدّنا. وإن لم نقم بحماية تلك المدن اليوم فلن يبقى لدينا مجالٌ لحماية مدن الأناضول غدًا.

 

 

قد يستهدفون مدن الأناضول..

إذًا فعلى تركيا أن ترفع صوتها حتى لو اجتمع العالم كله. عليها أن تحافظ على مصالحها في المنطقة وتؤسس دروعًا دفاعية على أراضي سوريا والعراق. ولو احتاج الأمر عليها أن تقوم بالتدخلات العسكرية المباشرة. فالتدخلات التي نتردّد منها اليوم ستنعكس علينا غدًا إلى حروب ضخمة.

 

وستقوم مجموعاتٌ أخرى غير تنظيم داعش لتستهدف دولًا أخرى وتقوم باحتلال المدن تحت حجّة "الحرية" والاستقلال لتقوم بتنفيذ مشاريع التجزئة على كافة المنطقة. وفي تلك اللحظة ستحتلّ بعض مدن الأناضول وأكبر حرب تجزئة ستضرب الأناضول.

 

 

صوت المحتلّين المعارضين لتركيا....

تاريخنا وتجاربنا الماضية كافية لتوضح إلينا طريقنا. هذا ليس توسّعًا ولا استيلاءً ولا احتلالًا بل هذه مسؤولية لإنقاذ منطقتنا. علينا أن نأخذ دور الموحّد دون إعطاء أيّ فرصة لتوليد الحروب الطائفية. علينا أن نبحث سبل حماية أنفسنا أولًا وبناء مستقبل المنطقة ثانيًا. وإنّ الصوت المعارض لتركيا والصادر من بغداد بدعم أمريكا وإيران هو معارضة الرؤيا والأفق التركي.

 

 

وإنّ سبب هذا بسيط جدًا: مَن يستهدف تركيا التي تقلق بشأن حماية المنطقة تجاه المحتلين المتوجهين من الخارج ولماذا؟ لأنّ تركيا هي الدّولة الوحيدة القادرة لإفشال هذه المؤامرة الضخمة. لذلك يحاولون كتمها بالنباح في وجهها. لذلك فإنّ الصوتَ الصادر من بغداد هو ليس الصوتُ المعارضُ للدّول المحتلة بل هو صوتُ المحتلّين أنفسهم.

يجب اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة عاجلًا من أجل تلعفر..

 

 

إذًا ماذا يجب علينا أن نفعل؟

 علينا الاستمرارُ بعمليّات مشابهة لعملية درع الفرات دون الالتفات إلى العواطف والضجيج الذي حولنا. يجب تأسيسُ أماكن تدخّل على منطقتين في الأراضي السورية وعلى منطقة في الأراضي العراقية. على تركيا تأسيسُ ساحات إشراف على الشريط الممتدّ من البحر الأبيض المتوسط إلى حدود إيران وذلك للوقاية من مخطّطات الجبهة التي تُشكّل ضدّ تركيا.

 

ويجب تنفيذ مخطّطات عاجلة من أجل تلعفر. وإعطاء الأولولية للعمليات التي ستفشل المبادرات الدولية الهادفة للتجزئة والموجهة إلى الموصل. كما أنّه يجب القضاء على الخطورة الموجهة إلى تركيا والممتدّة من الموصل إلى حلب.

 

لا تنسوا أنّ الخطوات الصغيرة التي لن نبادر بها اليوم ستنعكس أضعافًا ضدّنا غدًا لتؤدي إلى إبعاد تركيا من ساحة التاريخ. فكلّ مسؤولية نهملها اليوم ستكون مجالًا لفتح باب الحرب الكبرى الموجهة إلينا. موقفنا هذا ليس موقفًا احتلاليًّا لأراضي دولنا المجاورة بل هو حماية وحدة أراضينا ضدّ القوات الاحتلالية الدولية.

 

 

توجيه عملية درع الفرات إلى ثلاث مناطق

 دعوني أتكلّم بوضوح أكثر: إنْ لزم الأمر فعلى تركيا أن تضغط على نفسها وتواجهَ كافّة الصعوبات من أجل أن تقوم بالتدخل العسكري في تلعفر. وعلى تركيا أن تقوم بالتجهيزات لحركات خارقة لمخطّطات هؤلاء وذلك بتنفيذ عملية مشابهة لدرع الفرات على الأراضي السورية وذلك عفرين وتل أبيض

 

 وأقول لمن يصف هذه الخطوات بـ"الحرب": أنتم تستصعبون إدراكَ حقيقة الكارثة الكبرى التي سنُساق فيها تلقائيًا بعد عدّة سنوات. ولكن كلّ من ينظر إلى الغد وليس إلى اليوم فقط سيدرك أهمية المبادرات الوقائية التي يجب بذلها اليوم من أجل الوقاية من الحروب الضخمة في الغد.

طرق دور صناعة التاريخ باب تركيا مرة أخرى.

 

 

 

المصدر/ يني شفق