لماذا دعم الغربُ الجهاد الأفغاني وأحجم عن ثورة الشام؟!
21 محرم 1438
دـ أحمد موفق زيدان

لا يتناقش عاقلان كما لا يتناطح كبشان في أن الغرب بعمومه مُحجم عن دعم ثورة الشام، بل وأسلمها لكل حثالات الأرض ولعدوه الاستراتيجي الذي لا يزال بعض عقلائه يصفونه بذلك وهو الروس، وعدوه الظاهري الإعلامي وهو إيران، وكل ما قُدم أو سُمح بتقديمه لثورة الشام هو الفتات الذي أبقاها على قيد الحياة حتى الآن من أجل مصالح وحسابات جيوسياسية غربية، وهنا يبرز التساؤل الكبير لماذا دعم الغرب الجهاد الأفغاني ضد السوفييت، ووقف ضد الثورة الشامية في كثير من الأحيان، وبحكم تغطيتي للجهاد الأفغاني فإن السبب الرئيسي والحقيقي باعتقادي والله أعلم لهذا الخذلان يفسره خذلان وأسلمة الغرب للثورة المجرية عام 1956، وكذلك للثورة اليوغسلافية عام 1968 وذلك على الرغم من البسالة النادرة التي أظهرها كلا الشعبين في مواجهة الغطرسة والوحشية الروسية يومها لا فارق بين خروتشوف، وبرجنيف، وبوتين، ما دامت جينات الإجرام القيصرية غضة طرية في أجسادهم ..

 

 

إذن الغرب والشرق مجمع على عدم دعم ثورة الشعوب، أما دعم أحزاب وجماعات جهادية أو غير جهادية يمكن التخلي عنها لاحقاً، فلا مانع لديه ما دام قادراً على التحكم بحنفية الدعم لحظة شاء وأراد، وما دامت تعتمد في حياتها على نسغ دعم الغرب لها، وليس من دعم الشعوب المقهورة التي تريد التخلص من نير الاستبداد والاستعمار فلا ضير من دعمها في هذه الحالة، لكن هذا لا يعني أن الجهاد الأفغاني لا قاعدة وحاضنة  شعبية له، ولكن لا مقارنة  بالتأكيد بين صحوة شعوب الربيع العربي ووعيها تجاه هدفها وعدوها بصحوة الشعب الأفغاني يوم جهاده، حيث كانت الجماعات الجهادية هي التي تؤطر الشعب الافغاني، بينما نرى في حالة الربيع العربي الوضع مختلف  تماماً إذ إنه لم يتمكن هذا الربيع من فرز قيادات سياسية قادرة على إدارته ولذلك أسباب كثيرة، منها عدم ثقة الشعوب بالقيادات بسبب تنازلها وتخليها عن أهداف الشعوب في أقرب محطة ضغط أو إكراه، ولأن هذه القيادات منبتة لا علاقة لها بحياة وهواجس وطموحات وأحلام الشعوب، بالإضافة إلى أن مأسسة الأحزاب وقدرتها على التواصل مع الشعوب العربية غير موجودة منذ زمن بدايتها وهو ما يجعل مهمة الأثر والتأثير لها صعبة إن لم تكن مستحيلة ...

 

يدرك الغرب أن دعمه لهذه الثورات يعني بالجوهر دعمه لشعب ينتفض ضده وضد استبداده، وقدرته حينها على التحكم بالشعب وهواجسه غير ممكنة، أما التحكم بالأحزاب وقياداتها كما حصل في أفغانستان فممكن و إلى حد كبير، والدليل حين تدخلوا وأوقعوا بين فصائل المجاهدين بعد دخولهم كابول عام 1992، فتم حرف المجاهدين عن السكة الحقيقية، ولذا لعل أكثر ما يُقلق الغرب اليوم هو هذه المظاهرات التي تقتحم شوارع حلب وغيرها كلما هدأ القتال لتعيد التذكير بأهداف الثورة وأبجديتها، التي قد يكون السياسي السوري نسيها أو تناساها للأسف، بل رأينا كيف أن بوصلة الشعب السوري في الغوطة ودرعا وحلب وحمص وغيرها باتجاه الثورة وتحقيق أهدافها أشد دقة من بوصلة الفصائل  نفسها الذي يتناحر بعضها، ولذا نرى هذه المظاهرات العامة تهدد كل من يريد حرف الثورة، ووصل الأمر إلى رفع شعارات تطالب قادة الفصائل بالتنحي عن القيادة، بل والتهديد باقتحام مقراتها واستبدالهم بقيادات أخرى، ولعل التجربة المدنية في الغوطة الشرقية وإدلب وغيرها من المناطق المحررة أثبت أربابها أنهم الأكثر حرصاً على الثورة من الفصائل والأحزاب التي غدا حرصها على أحزابها وفصائلها أهم من الثورة ذاتها، بل وفضلت الباصات الخضر لشحنها إلى إدلب على أن تتفق مع إخوانها في الفصائل الأخرى....

 

فما يهم السياسي هو الحكومة الظاهرة من مناصب وإدارات عامة، وليس جوهر التغيير الحقيقي، مما يمس الأجهزة المخابراتية والعسكرية والأمنية وو، فما يعني السياسي الحكم الظاهري، وما يريده الشعب الحوكمة الحقيقية والدولة العميقة وتفكيكها التي تُذله بشكل يومي لعقود، وأنى للغرب والشرق الذي سهر أكثر من قرن على هذه الدولة العميقة أن يتخلى عنها، لكن إرادة الشعب بإذن الله لا تُقهر إن أحسن إدارة الصراع.

 

كلمة أخيرة للسياسيين والمفاوضين باسم الثورة، الذين يريدون أن يناموا مع الثعابين الطائفيين في حكومة ائتلافية إن سمح لهم بذلك ولن يسمح، نذكرهم بمن تزعم ثورة المجر في 1956 إيمري ناجي وحين استسلم للسوفييت يومها على أساس ضمنوا له حياته، تحول إلى خائن بعين شعبه، وكل هذا لم ينفعه أمام السوفييت فأقدموا على إعدامه بسجنه والتهمة الخيانة العظمى بعد سنتين من سجنه ...

 

 

المصدر/ أورينت نت